عبد الله ، الرّحمن على العرش استوى ، كيف استوى (١) فأمسك عنه مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال : الكيف منه غير معقول والاستواء فيه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني لأحسبك ضالا ، ثم أمر به فأخرج. وفي رواية : فإني أخاف أن يكون شيطانا.
رد المصنف على الناظم في الفوقية
وهذا الكلام صحيح إن صحّ عن مالك ، فإنه ليس فيه إلا الإيمان بآية استوى على العرش كما نطق به القرآن وأن كيفيته غير معقولة ، والسائل عنها ضال مبتدع شيطان ، وفي ذلك قطع بأن الاستواء على ظاهره المعلوم عند الناس من أنه القعود ، فإن ذلك معقول وليس فيه تصريح بفوقية الذات ولا يلزم من قولنا استوى على العرش أن يكون هو على العرش إلا بعد أن نثبت أن الاستواء هو القعود والجلوس كما في المخلوق ، وجلّ الله عن ذلك ، فهذا الرجل لم يفهم كلام مالك ولا كلام غيره من العلماء الكثيرين الذين حكى عنهم كلهم. وإنما يؤثر عنهم كلام مقتد بالكتاب يراد به معنى صحيح مع التنزيه ، وما لا يوهم التشبيه ولا يقتضيه.
روايات الضراب عن مالك
وقد روى الضراب في هذا الكتاب قال : حدثنا عمر بن الربيع حدثنا أبو أسامة حدثنا ابن أبي زيد عن أبيه عن حبيب (٢) كاتب مالك قال : سئل مالك بن أنس عن قول
__________________
(١) قال أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم : المطلوب هنا ثلاثة معان : معنى الرّحمن ومعنى استوى ومعنى العرش ، فالرحمن معلوم والعرش في العربية جاء لمعان ولفظ استوى معه محتمل خمسة عشر معنى في اللغة ، فأيها تريدون أو أيها تدعون ظاهرا منها ، ولم قلتم إن العرش هاهنا المراد به مخلوق مخصوص فادعيتموه على العربية والشريعة ... فقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] إن علمنا معناه آمنا قولا ومعنى ، وإن لم نعلم معناه قلنا كما قال مالك : الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة ، فكيف لو رأى من يفسر تعلقه بالله لا يقال إنه بدعة بل أشد من البدعة عنده ، فكيف لو سمع من يقول : إن الله فوقه ، فكيف بمن يعين فوقية الذات فكيف بمن يقول إنه يحاذيه ويليه تبا له اه راجع (٢٤ ـ ٢٦) في الجزء الثاني من الكتاب المذكور. وقد توسع ابن المعلم المحدث في (نجم المهتدي) في بيان محتملات الآية الخمسة عشرة التي أشار إليها أبو بكر ابن العربي فليراجع هناك.
(٢) وعلى روايته في تفسير النزول عن مالك عوّل القاضي عياض في المشارق ، وقد تكلم في حبيب هذا أهل النقد إلا أن مالكا رضي الله عنه كان شديد الانتقاد للرجال وقوله هو القول