__________________
ـ بعد التدبر فمن نفى التأويل جملة وتفصيلا فقد جهل الكتاب والسنة ومناحي كلام العرب في التخاطب. وأبو يعلى الحنبلي المسكين ـ من أئمة الناظم ـ ألّف كتابا سماه (إبطال التأويلات في أخبار الصفات) أتى فيه بكل طامة حتى قال عنه أبو محمد رزق الله التميمي الحنبلي : لقد بال أبو يعلى على الحنابلة بولة لا يغسلها ماء البحار. كما ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان ، ولفظ ابن الأثير في الكامل أفظع وأما لفظ ابن الجوزي في دفع الشبع فرواية بالمعنى ، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في دفع شبه التشبيه كثيرا من مخازيه بل في تأسيس ابن تيمية نقول كثيرة من كتاب (إبطال التأويلات) منها إثبات الحد له تعالى من الجانب الأسفل ، تعالى الله عن ذلك. ويأسف الإنسان كل الأسف أن يضل مثل أبي يعلى هذا الضلال وما ذلك إلا من عدوى خلطائه ، فلو كان والده الذي كان من أخص أصحاب أبي بكر الرازي الجصاص رأى ما آل إليه أمر ابنه اليتيم عنه لبكى بكاء مرا وتبرأ منه ومن عقائده. ومما زاد في ويلات الكتاب اعتداده بكل خبر غير مميز بين المختلق وغيره. ولأبي يعلى هذا كتاب المعتمد في المعتقد وهو قريب إلى السنة ونرجو أن يكون هذا آخر مؤلفاته ليكون قاضيا على ما سلف منه وإلا فيا للعار والنار من مسايرة الأشرار ، فمن أول في كل موضع فهو قرمطي كافر ، ومن أبي التأويل في كل آية وحديث فهو حجري زائغ كابن الفاعوس الحنبلي الذي لقب بالحجري حيث كان يقول إن الحجر الأسود يمين الله حقيقة قال أبو بكر بن العربي عن الظاهرية :
قالوا الظواهر أصل لا يجوز لنا |
|
عنها العدول إلى رأي ولا نظر |
بينوا عن الخلق لستم منهم أبدا |
|
ما للأنام ومعلوف من البقر |
وقد قال ابن عقيل الحنبلي «هلك الإسلام بين طائفتين : الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع» وللغزالي جزء لطيف سماه قانون التأويل وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر : «والخائضون فيه تحزّبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلا والمنقول تابعا وإلى من جعل المنقول أصلا والمعقول تابعا وإلى من جعل كل واحد أصلا» : ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحا جيدا لا يستغني عنه باحث ، حفظنا الله سبحانه من الإفراط والتفريط وسلك بنا سواء السبيل وفي الاطلاع على جزء الغزالي هذا فوائد في هذا الصدد.
قول ابن حجر في التأويل
وأما قول ابن حجر في فتح الباري «إنه لم ينقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولا عن أحد من الصحابة بطريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ـ يعني المتشابهات ـ ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بتبليغ ما أنزل إليه ربه وينزل عليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبة إليه تعالى وما لا يجوز مع حثه على التبليغ عنه بقوله صلىاللهعليهوسلم : «ليبلغ الشاهد الغائب» حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وما فعل بحضرته فدلّ على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله تعالى منها ووجب تنزيهه عن