__________________
ـ مشابهة المخلوقات بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق اه».
فليس مما يستطيع الحشوي أن يتخذه سندا في ترويج مزاعم المشبهة ـ رغم محاولة بعضهم ذلك لأن في سياق كلامه ما يحتم التفويض مع التنزيه وهو مذهب جمهور السلف وليس أحد من أهل العلم يمنع من إجراء المتشابه في الكتاب والسنة المشهورة على اللسان بدون خوض في المعنى فمن خاض وحمل على ما ينافي التنزيه فهو الذي خالف سبيلهم ، بل الصحابة كلهم أجمعوا على تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقات في ذاته وصفاته وأفعاله ومن ضرورة ذلك صرف الألفاظ المستعملة في الخلق عن معانيها المتعارفة بينهم إلى معان تتسامى عنها عند نسبة تلك الألفاظ إلى الله سبحانه على مقتضى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] وهو تأويل إجمالي وأما تعيين تلك المعاني المتسامية تفصيلا بقرائن قائمة فمما يختلف مبلغ انتباه أهل العلم إليه على اختلاف ما آتاهم الله من الفهم فمن بان له وجه الكلام كوضح الصبح يسلك طريق التبيين بل يدخل هذا المتشابه في حقه في عداد المحكم ـ وذلك كالنظري بالنسبة إلى الحدسي وكم من نظري مستصعب عند أناس يكون حدسيا مكشوفا عند أناس آخرين ـ فأحاديث النزول مثلا إبعادها عن معان توجب التشبيه والنقلة موضع اتفاق بين أهل الحق سلفا وخلفا وحملها على المجاز في الطرف أو على الإسناد المجازي استعمال عربي صحيح وموافق للتنزيه وقد يترجح عند بعضهم الأول وعند بعضهم الثاني ، ولكن الذي صحّ عنده رواية الإنزال أو اطلع على صحة حديث أبي هريرة في سنن النسائي «إن الله عزوجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له» يجزم بإرادة الإسناد المجازي في باقي الروايات فيخرج حديث النزول في نظره من عداد المتشابه ويدخل في عداد المحكم حيث رده إليه.
تحقيق ابن دقيق العيد
قال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد : «إن كان التأويل من المجاز البين الشائع فالحق سلوكه من غير توقف ، أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه ، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين اه».
وهذا كلام نفيس جدا ينبئ عن علم جم ، وصراحة في بيان الحق ، وتوسط حكيم بخلاف كلام الذين يسعون في إرضاء الطوائف بكلام معقد متشابه يفتح باب التقول لمن بعدهم من الزائغين في المتشابهات ، وأين هؤلاء من ابن دقيق العيد في التروي والأمانة والصراحة والتحقيق والجمع بين الأصلين والفقه والحديث؟ وعن ابن دقيق العيد هذا يقول ابن المعلم : (كان مبارزا لأهل البدع من الحشوية والصوتية والقائلين بالجهة ... منكرا عليهم بيده ولسانه ولفظه وجنانه يغري ويؤلب عليهم ولا يدع لهم رأسا قائمة إلا اقتطعها ولا شجرة يخشى شرها إلا اقتلعها) فتبين من ذلك أن المسلم في سعة من التفويض والتأويل فالأول في حينه أسلم والثاني بشرطه أحكم فلا يتصور أن ينقل التصريح بوجوب التأويل التفصيلي عن الصحابة لأنه لو نقل لوجب التأويل التفصيلي على العالم والجاهل على حد سواء وهذا مما يبرأ منه الشرع الحنيف.