رضاه. قلت : يعذب العباد على ما يرضى؟ قال : يعذبهم على ما لا يرضى من الكفر ولكن يرضى أن يعذبهم وينتقم منهم بتركهم الطاعة وأخذهم بالمعصية. قلت : شاء الله للمؤمنين الكفر؟ قال : لا. ولكن شاء للمؤمنين الإيمان ، كما شاء للكافرين الكفر وكما شاء لأصحاب الزنى الزنى وكما شاء لأصحاب السرقة السرقة وكما شاء لأصحاب العلم العلم وكما شاء لأصحاب الخير الخير ، لأن الله تعالى شاء للكفّار قبل أن يخلقهم أن يكونوا كفارا ضلالا (١). قلت : يعذب الله الكفار على ما يرضى أن يخلق أم على ما لا يرضى أن يخلق؟ قال : بل يعذبهم على ما يرضى أن يخلق. قلت : لم؟ قال : لأنه يعذبهم على الكفر ورضي أن يخلق الكفر ، ولم يرض الكفر بعينه. قلت : قال الله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزّمر : ٧] فكيف يرضى أن يخلق الكفر؟ قال : يشاء لهم ولا يرضى به. قلت : لم؟ قال : لأنه خلق إبليس فرضي أن يخلق إبليس ولم يرض نفس إبليس ، وكذلك الخمر والخنازير فرضي أن يخلقهن ولم يرض أنفسهن. قلت : لم؟ قال : لأنه لو رضي الخمر بعينها لكان من شربها فقد شرب ما رضي الله ، ولكنه لا يرضى الخمر ولا الكفر ولا إبليس ولا أفعاله ولكنه رضي محمدا صلىاللهعليهوسلم. قلت : أرأيت اليهود حيث قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة : ٦٤] أرضي الله لهم أن يقولوا ذلك؟ قال : لا.
* * *
باب آخر في المشيئة
إذا قيل له : أرأيت لو شاء الله أن يخلق الخلق كلهم مطيعين مثل الملائكة هل كان قادرا؟ فإن قال لا فقد وصف الله تعالى بغير ما وصف به نفسه ، لقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨] وقوله تعالى : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) [الأنعام : ٦٥]. فإن قال : هو قادر ، فقل أرأيت لو شاء الله أن يكون إبليس مثل جبريل في الطاعة أما كان قادرا؟ فإن قال : لا ، فقد ترك قوله ووصف الله تعالى بغير صفته ، فإن قال : لو أنه زنى أو شرب أو قذف أليس هو بمشيئة الله؟ قيل : نعم. فإن قال : فلم تجري عليه الحدود؟ قيل : لا يترك ما أمر الله به لأنه لو قطع غلامه كان بمشيئة الله وذمه الناس ، ولو أعتقه حمدوه عليه ، وكلاهما وجدا
__________________
(١) ومشيئة الله في الأزل خلق الكفر والضلال لهم في المستقبل إنما هي من جهة أن العبد يختار ذلك فيخلقه الخالق على جاري عادته الحكيمة ، فليس في الأمر شمة الجبر. (ز).