عدل فقل : أرأيت ما كان في الدنيا عدلا أليس في الآخرة عدلا؟ فإن قال : نعم ، فقل : أتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير وبالقدر خيره وشره من الله تعالى؟ فإن قال : نعم ، فقل له : أمؤمن أنت؟ فإن قال : لا أدري. فقل له : لا دريت ولا فهمت ولا أفلحت. قلت : ومن قال : إن الجنة والنار ليستا بمخلوقتين. فقل له : هما شيء أو ليستا بشيء وقد قال الله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢] وقال الله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)) [القمر : ٤٩] وقال الله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦]. فإن قال : إنهما تفنيان. فقل له : وصف الله نعيمها بقوله : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)) [الواقعة : ٣٣] ومن قال : هما تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما فقد كفر بالله تعالى لأنه أنكر الخلود فيهما.
قال أبو حنيفة رحمهالله تعالى : لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف وهو قول أهل السنة والجماعة ، وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه ، ونصفه كما وصف نفسه ، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد حي قيوم قادر سميع بصير عالم. يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه وليست بجارحة ، وهو خالق الأيدي ، ووجهه ليس كوجوه خلقه. وهو خالق كل الوجوه ، ونفسه ليس كنفس خلقه ، وهو خالق النفوس (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] قلت : أرأيت لو قيل : أين الله تعالى؟ فقال : يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق ، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء ، وهو خالق كل شيء. فإن قيل : بأي شيء شاء الشائي المشيء؟ فقل بالصفة ، وهو قادر يقدر بالقدرة وعالم يعلم بالعلم ومالك يملك بالملك. فإن قيل : أشاء بالمشيئة ، وقدر بالمشيئة وشاء بالعلم؟ فقل : نعم (١).
* * *
باب في الإيمان
فإن قيل : أين مستقر الإيمان؟ يقال معدنه ومستقره القلب ، وفرعه في الجسد ، فإن قيل : هو في إصبعك؟ فقيل : نعم. فإن قيل : فإن قطعت أين يذهب الإيمان
__________________
(١) فتكون المشيئة تابعة للعلم والعلم تابع للمعلوم فلا يكون العبد مجبورا في فعله الاختياري (ز).