ولا الأمر إلا ما جاء به القرآن ودعا إليه محمد صلىاللهعليهوسلم وكان عليه أصحابه حتى تفرّق الناس ، وأما ما سوى ذلك فمبتدع ومحدث ، فافهم كتابي إليك ، فاحذر رأيك على نفسك ، وتخوّف أن يدخل الشيطان عليك عصمنا الله وإياك بطاعته ، ونسأله التوفيق لنا ولك برحمته ، ثم أخبرك أن الناس كانوا أهل شرك قبل أن يبعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فبعث محمدا يدعوهم إلى الإسلام ، فدعاهم إلى أن يشهدوا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والإقرار بما جاء به من الله تعالى ، وكان الداخل في الإسلام مؤمنا بريئا من الشرك ، حراما ماله ودمه ، له حق المسلمين وحرمتهم ، وكان التارك لذلك حين دعا إليه كافرا بريئا من الإيمان ، حلالا ماله ودمه ، لا يقبل منه إلا الدخول في الإسلام أو القتل. إلا ما ذكر الله سبحانه وتعالى في أهل الكتاب من إعطاء الجزية ، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك على أهل التصديق.
فكان الأخذ بها عملا مع الإيمان ولذلك يقول الله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : ٢٥] وقال : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) [التّغابن : ٩] وأشباه ذلك من القرآن. فلم يكن المضيع للعمل مضيعا للتصديق ، وقد أصاب التصديق بغير عمل. ولو كان المضيع للعمل مضيعا للتصديق لانتقل من اسم الإيمان وحرمته بتضييعه العمل كما أن الناس لو ضيّعوا التصديق لانتقلوا بتضييعه من اسم الإيمان وحرمته وحقه ، ورجعوا إلى حالهم التي كانوا عليها من الشرك. ومما يعرف به اختلافهما أن الناس لا يختلفون في التصديق. ولا يتفاضلون فيه. وقد يتفاضلون في العمل. وتختلف فرائضهم. ودين أهل السماء ودين الرسول واحد. فلذلك يقول الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشّورى : ١٣]. واعلم أن الهدي في التصديق بالله وبرسوله ليس كالهدي فيما افترض من الأعمال. ومن أين يشكل ذلك عليك؟ وأنت تسميه مؤمنا بتصديقه كما سماه الله تعالى في كتابه وتسميه جاهلا بما لا يعلم من الفرائض. وهو إنما يتعلم ما يجهل. فهل يكون الضال عن معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله. كالضال عن معرفة ما يتعلمه الناس وهم مؤمنون؟! وقد قال الله تعالى في تعليمه الفرائض : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النّساء : ١٧٦] وقال : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢] ، وقال : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشّعراء : ٢٠] يعني من الجاهلين ، والحجة من كتاب الله تعالى والسنة على تصديق ذلك أبين وأوضح من أن تشكل على مثلك. أولست تقول : مؤمن ظالم ، ومؤمن مذنب ، ومؤمن مخطئ ومؤمن عاص ، ومؤمن جائر؟ هل يكون فيما ظلم وأخطأ مهتديا فيه مع هداه في الإيمان ، أو يكون ضالا عن الحق الذي أخطأه؟ وقول بني يعقوب على نبينا وعليهمالسلام لأبيهم إنك لفي ضلالك القديم ، أتظن أنهم عنوا أنك لفي كفرك القديم؟ حاشا