السنّة وثبوت العقيدة
وفي العدد (٥١٨) مقال بهذا العنوان يقول كاتبه في مفتتحه : إنه بيّن فيما سبق أنه «ليس في القرآن الكريم ما يفيد بظاهره غلبة الظنّ برفع عيسى ونزوله ، فضلا عما يفيد اليقين».
وقد علم القارئ الكريم بما قرّرناه في الفصل السابق بطلان هذا الزّعم من كل ناحية ، وأثبتنا أنّ في القرآن الحكيم نصوصا قاطعة تدل على الرفع والنزول ، وعلى هذا الفهم درج أئمة الأمّة وعلماؤها ولا سيما المفسّرين على تعاقب الدهور ، وإنما روي موته ثم رفعه عن وهب بن منبّه ومحمد بن إسحاق ، وهما إنما حكيا ذلك عن أهل الكتاب ، وذلك من ضرورة قولهم بقتله وصلبه.
وقد كذّب القرآن ذلك ، فلم يبق إلا قول أهل الحق : إنه رفع حيّا ، وسينزل قبل يوم القيامة ، ومن حمل التوفّي على الموت ، مثل قتادة والفرّاء جعل قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥] من باب تقديم ما هو مؤخّر في الوقوع ، لنكتة ، كقوله تعالى : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) [آل عمران : ٤٣].
وأما ابن حزم فقد قال بموته ، ثم رفعه ، ثم نزوله اغترارا منه بما في «العتبيّة» المشروح حالها في العدد (٣٤ ـ ١٣٦١ ه) من مجلة الإسلام ، وما فيها من عزو موته إلى مالك رواية ساقطة عند أهل النقد ، وحمل التوفّي على الموت إخراج للكلمة عن وضعها ، كما يعلم من كلام ابن قتيبة وابن جرير والزمخشري وغيرهم.
وبعد هذا الحمل لا بدّ من الحمل على التقديم والتأخير كما فعل قتادة والفرّاء ، جمعا بين الأدلة ، لأن الواو لا تفيد الترتيب ، ونسبة إنكار رفعه حيّا إلى المعتزلة مطلقا تساهل ، وإنما هو قول الجبّائي ، وهو كثير الشذوذ ، ومن جملة شذوذه أنه يرى عدم جواز الأخذ بخبر الآحاد عقلا ، فإذا أخذ كاتب المقال برأيه هذا يخلص من أخبار الآحاد بمرّة واحدة.