(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٨٤)
كسقف وسقف ، وبغل وبغال ، ورهن في الأصل مصدر سمّي به ثم كسر تكسير الأسماء ، ولما كان السفر مظنة لأعواز الكتب والإشهاد أمر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال ، من كان على سفر بأن يقيم التوثّق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد لا أنّ السفر شرط تجويز الارتهان وقوله (مَقْبُوضَةٌ) يدل على اشتراط القبض لا كما زعم مالك أنّ الرهن يصح بالإيجاب والقبول بدون القبض (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين بحسن ظنه به فلم يتوثق بالكتابة والشهود والرهن (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) دينه ، وائتمن افتعل من الأمن ، وهو حثّ للمديون على أن يكون عند ظن الدائن وأمنه منه وائتمانه له ، وأن يؤدي إليه الحقّ الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه ، وسمّى الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في إنكار حقّه (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) هذا خطاب للشهود (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ارتفع قلبه بآثم على الفاعلية ، كأنّه قيل فإنّه يأثم قلبه ، أو بالابتداء ، وآثم خبره مقدم ، والجملة خبر إنّ ، وإنّما أسند إلى القلب وحده والجملة هي الآثمة لا القلب وحده لأنّ كتمان الشهادة أن يضمرها في القلب ولا يتكلم بها ، فلما كان إثما مقترفا (١) بالقلب أسند إليه ، لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ، كما تقول هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي ، ولأنّ القلب رئيس الأعضاء ، والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كلّه ، وإن فسدت فسد الجسد كلّه ، فكأنّه قيل فقد تمكّن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان منه ، ولأنّ أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، ألا ترى أنّ أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب ، وإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنّه من معاظم الذنوب ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أكبر الكبائر الإشراك بالله وشهادة الزور وكتمان الشهادة (٢) (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من كتمان الشهادة وإظهارها (عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء.
٢٨٤ ـ (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) يعني من السوء (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يكافكم ويجازكم ، ولا
__________________
(١) في (ز) زاد : مكتسبا.
(٢) أخرجه ابن جرير من رواية معاوية عن علي عن ابن عباس.