(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٦٤)
يبقى على وجه الأرض نصراني ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، فصالحهم (١) على ألفي حلة كلّ سنة فقال عليهالسلام : (والذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير) (٢). وإنّما ضمّ الأبناء والنساء وإن كانت المباهلة مختصة به وبمن يكاذبه ، ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته إن تمت المباهلة. وخصّ الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم ، وفيه دليل واضح على صحة نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم (٣) لأنّه لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) منّا ومنكم في شأن عيسى عليهالسلام (٤) ونبتهل ونجعل معطوفان على ندع.
٦٢ ـ (إِنَّ هذا) الذي قصّ عليك من نبأ عيسى (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) هو فصل بين اسم إنّ وخبرها ، أو مبتدأ والقصص الحقّ خبره ، والجملة خبر إنّ ، وجاز دخول اللام على الفصل لأنّه إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجوز لأنّه أقرب إلى المبتدأ منه ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ ومن في (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) بمنزلة البناء على الفتح في لا إله إلا الله في إفادة معنى الاستغراق ، والمراد الردّ على النصارى في تثليثهم (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في الانتقام (الْحَكِيمُ) في تدبير الأحكام.
٦٣ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا ولم يقبلوا (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (٥).
٦٤ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) هم أهل الكتابين ، أو وفد نجران ، أو يهود المدينة
__________________
(١) زاد في (ز) النبي.
(٢) رواه البغوي والخازن وروى ابن جرير نحوه وفيه : ولو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض.
(٣) في (أ) عليهالسلام.
(٤) ليست في (ظ) و(ز).
(٥) النحل ، ١٦ / ٨٨.