وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠)
(اللهِ) صفة له (وَما عِنْدَ اللهِ) من الكثير الدائم (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) مما يتقلّب فيه الفجار من القليل الزائل ، لكنّ بالتشديد يزيد ، وهو للاستدراك أي لا بقاء لتمتّعهم لكنّ ذلك للذين اتقوا ، ونزلت في ابن سلام وغيره من مسلمة (١) أهل الكتاب ، أو في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم وكانوا على دين عيسى عليهالسلام فأسلموا.
١٩٩ ـ (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) دخلت لام الابتداء على اسم إنّ لفصل الظرف بينهما (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من الكتابين (خاشِعِينَ لِلَّهِ) حال من فاعل يؤمن ، لأنّ من يؤمن في معنى الجمع (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم ، وهو حال بعد حال أي غير مشترين (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي ما يختصّ بهم من الأجر ، وهو ما وعدوه (٢) في قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) (٣) (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) لنفوذ علمه في كلّ شيء.
٢٠٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) على الدّين وتكاليفه ، قال الجنيد (٤) قدس الله روحه : الصبر حبس النفس على المكروه بنفي الجزع (وَصابِرُوا) أعداء الله في الجهاد ، أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقلّ صبرا منهم وثباتا (وَرابِطُوا) وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها مترصّدين مستعدين للغزو (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الفلاح : البقاء مع المحبوب بعد الخلاص عن المكروه ، ولعلّ لتغييب المآل لئلّا يتكلوا على الآمال عن تقديم الأعمال ، وقيل اصبروا في محبتي وصابروا في نعمتي ورابطوا أنفسكم في خدمتي لعلكم تفلحون تظفرون بقربتي قال النبي صلىاللهعليهوسلم : (اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنّهما يأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف تحاجّان عن أصحابهما) (٥) والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
__________________
(١) في (ز) مسلمي.
(٢) في (ز) ما وعده.
(٣) القصص ، ٢٨ / ٥٤.
(٤) في (ظ) ليست مذكورة ، وفي (ز) قال الجنيد رحمهالله.
(٥) رواه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة الباهلي.