وذا لا يجوز ، ولا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل (١) والزّجّاج (٢) ومحمد بن الحسن (٣) والحسين بن الفضل (٤) ، وقيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصّيغتين فصاعدا معنى واحد ، وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم اله إذا تحيّر ، ينتظمهما معنى التّحيّر (٥) والدّهشة ، وذلك أنّ الأوهام تتحير في معرفة المعبود ويدهش الفطن ، ولذا كثر الضّلال وفشا الباطل وقلّ النّظر الصّحيح ، وقيل هو من قولهم ألّه يألّه إلاها إذا عبد ، فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود ، كقوله (هذا خَلْقُ اللهِ) (٦) أي مخلوقه ، وتفخّم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة ، وترقّق إذا كان قبلها كسرة ، ومنهم من يرقّقها بكلّ حال ، ومنهم من يفخم بكلّ حال ، والجمهور على الأوّل.
والرّحمن فعلان من رحم وهو الذي وسعت رحمته كلّ شيء كغضبان من غضب وهو الممتلئ غضبا ، وكذا الرّحيم فعيل منه كمريض من مرض ، وفي الرّحمن من المبالغة ما ليس في الرّحيم ، لأن في الرّحيم زيادة واحدة وفي الرّحمن زيادتين ، وزيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ، ولذا جاء في الدّعاء يا رحمن الدّنيا (٧) لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ، ورحيم الآخرة لأنّه يخصّ المؤمن ، وقالوا : الرّحمن خاص تسمية ، لأنّه لا يوصف به غيره ، وعامّ معنى لما بينا ، والرّحيم بعكسه ، لأنّه يوصف به غيره ويخصّ المؤمنين ، ولذا قدّم الرحمن ، وإن كان أبلغ ، والقياس التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى ، يقال : فلان عالم (٨) نحرير ، لأنّه كالعلم لما لم يوصف به غير الله ، ورحمة الله إنعامه على عباده ، وأصلها العطف ، وأمّا قول الشّاعر (٩) في مسيلمة (١٠) : وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا. فباب من تعنّتهم في كفرهم ، ورحمن غير منصرف عند
__________________
(١) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي ، أبو عبد الرحمن ، ولد عام ١٠٠ ه ومات عام ١٧٠ ه من أئمة اللغة والأدب اخترع العروض ، وله مؤلفات. (الأعلام ٢ / ٣١٤).
(٢) الزّجّاج : هو إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق ، عالم بالنحو واللغة ، ولد عام ٢٤١ ه ومات عام ٣١١ ه (الأعلام ١ / ٤٠).
(٣) محمد بن الحسن بن فرقد ، أبو عبد الله ، من موالي بني شيبان ، إمام بالفقه والأصول وهو الذي نشر علم أبي حنيفة ولد عام ١٣١ ه ومات عام ١٨٩ ه وله مؤلفات (الأعلام ٦ / ٨٠).
(٤) الحسين بن الفضل بن عمير البجلي ، ولد عام ١٧٨ ه ومات عام ٢٨٢ ه مفسر ، كان رأسا في معاني القرآن (الأعلام ٢ / ٢٥١).
(٥) ليست في (أ).
(٦) لقمان ، ٣١ / ١١.
(٧) زاد في (ظ) والآخرة.
(٨) زاد في (ز) ذو فنون نحرير.
(٩) الشاعر مجهول وصدر البيت : سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا.
(١٠) مسيلمة : هو المتنبئ الكذاب مسيلمة بن ثمامة بن كبير ، أبو ثمامة ، ولد ونشأ في اليمامة ، من المعمرين ، قتله المسلمون عام ١٢ ه (الأعلام ٧ / ٢٢٦).