(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً) (١١٧)
١١٤ ـ (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) من تناجي الناس (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) إلا نجوى من أمر ، وهو مجرور بدل من كثير ، أو من نجواهم ، أو منصوب على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير (أَوْ مَعْرُوفٍ) أي قرض ، أو إغاثة ملهوف ، أو كل جميل ، أو المراد بالصدقة الزكاة ، وبالمعروف التطوع (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) أي إصلاح ذات البين (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) المذكور (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) طلب رضا الله ، وخرج عنه من فعل ذلك رياء أو ترؤسا ، وهو مفعول له ، والإشكال أنه قال إلّا من أمر ، ثم قال ومن يفعل ذلك ، والجواب أنه ذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله ، لأنه إذا دخل الآمر به في زمرة الخيّرين كان الفاعل فيهم أدخل ، ثم قال ومن يفعل ذلك فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم ، أو المراد ومن يأمر بذلك فعبر عن الأمر بالفعل (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) يؤتيه أبو عمرو وحمزة.
١١٥ ـ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ومن يخالف الرسول من بعد وضوح الدليل وظهور الرّشد (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي ، وهو دليل على أنّ الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة ، لأن الله تعالى جمع بين اتباع غير سبيل المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط ، وجعل جزاءه الوعيد الشديد ، فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) نجعله واليا لما تولّى من الضلال ، وندعه وما اختاره في الدنيا (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) في العقبى (وَساءَتْ مَصِيراً) قيل هي في طعمة وارتداده.
١١٦ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) مر تفسيره في هذه السورة (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن الصواب.
١١٧ ـ (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) ما يعبدون من دون الله (إِلَّا إِناثاً) جمع أنثى ، وهي اللات والعزّى ومناة ، ولم يكن حي من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه