(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٢٩)
الجملة اعتراض كقوله (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) أي جعل الشحّ حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه ، يعني أنها مطبوعة عليه. والمراد أنّ المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها ، والرجل لا يكاد نفسه (١) تسمح بأن يقسم لها إذا رغب عنها ، وكل واحد منهما يطلب ما فيه راحته. وأحضرت يتعدى إلى مفعولين ، والأول الأنفس ، ثم حث على مخالفة الطبع ومتابعة الشرع (٢) بقوله : (وَإِنْ تُحْسِنُوا) بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهنّ وأحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة (وَتَتَّقُوا) النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من الإحسان والتقوى (خَبِيراً) فيثيبكم عليه. وكان عمران الخارجي من أدمّ بني آدم ، وامرأته من أجملهم ، فنظرت إليه وقالت : الحمد لله على أني وإياك من أهل الجنة ، قال كيف؟ فقالت : لأنك رزقت مثلي فشكرت ، ورزقت مثلك فصبرت ، والجنة موعودة للشاكرين والصابرين.
١٢٩ ـ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) ولن تستطيعوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة ، فتمام العدل أن يسوي بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة (٣) والمفاكهة وغيرها ، وقيل معناه أن تعدلوا في المحبة. وكان عليهالسلام يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : (هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) (٤) يعني المحبة لأنّ عائشة رضي الله عنها كانت أحب إليه (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) بالغتم في تحري ذلك (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فلا تجوروا على المرغوب عنها كلّ الجور فتمنعوها قسمها من غير رضا منها ، يعني أنّ اجتناب كل الميل في حد اليسر فلا تفرطوا فيه إن وقع منكم التفريط في العدل كله ، وفيه ضرب من التوبيخ ، وكلّ نصب على المصدر لأنّ له حكم ما يضاف إليه (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة (وَإِنْ تُصْلِحُوا) بينهن (وَتَتَّقُوا) الجور (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر لكم ميل قلوبكم
__________________
(١) سقطت من (ز) وفيه يسمح.
(٢) في (ز) الشرط.
(٣) في (ز) المحالمة.
(٤) رواه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها.