(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٧٣)
أفضل من رسول واحد من البشر. إلى هذا ذهب بعض أهل السنة ، ولأن المراد أنّ الملائكة مع ما لهم من القدرة الفائقة قدر البشر والعلوم اللوحية وتجردهم عن التولد الازدواجي رأسا لا يستنكفون عن عبادته ، فكيف بمن يتولد من آخر لا يقدر على ما يقدرون ، ولا يعلم ما يعلمون ، وهذا لأنّ شدة البطش ، وسعة العلوم ، وغرابة التكوّن هي التي تورث الحمقى أمثال النصارى وهم الترفع عن العبودية حيث رأوا المسيح ولد من غير أب وهو يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى وينبئ بما يأكلون ويدّخرون في بيوتهم ، فبرأوه من العبودية ، فقيل لهم هذه الأوصاف في الملائكة أتم منها في المسيح ومع هذا لم يستنكفوا عن العبودية ، فكيف المسيح؟ والحاصل أنّ خواص البشر وهم الأنبياء عليهمالسلام أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم ، كجبريل وميكائيل وعزرائيل ونحوهم ، وخواص الملائكة أفضل من عوام المؤمنين من البشر وعوام المؤمنين من البشر أفضل من عوام الملائكة ، ودليلنا على تفضيل البشر على الملك ابتداء أنهم قهروا نوازع الهوى في ذات الله تعالى مع أنهم جبلوا عليها ، فضاهت الأنبياء عليهمالسلام الملائكة عليهمالسلام في العصمة ، وتفضلوا عليهم في قهر البواعث النفسانية والدواعي الجسدانية ، فكانت طاعتهم أشقّ لكونها مع الصوارف بخلاف طاعة الملائكة لأنهم جبلوا عليها فكانت أزيد ثوابا بالحديث (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ) يرتفع (١) ويطلب الكبرياء (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) فيجازيهم على استنكافهم واستكبارهم ، ثم فصّل فقال :
١٧٣ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصّل لأنّ التفصيل اشتمل على الفريقين والمفصّل على فريق واحد ، قلت هو مثل قولك جمع الإمام الخوارج فمن لم يخرج عليه كساه وحمله ، ومن خرج عليه نكّل به. وصحة ذلك لوجهين أحدهما أنه حذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ، لأن ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني ، كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله تعالى بعد هذا : (فَأَمَّا
__________________
(١) في (ظ) و(ز) يترفع.