بِالْأَزْلامِ) في موضع الرفع بالعطف على الميتة ، أي وحرمت عليكم الميتة وكذا وكذا ، والاستقسام بالأزلام وهي القداح المعلمة واحدها زلم وزلم ، كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو غير ذلك يعمد إلى قداح ثلاثة على واحد منها مكتوب أمرني ربي وعلى الآخر نهاني والثالث غفل ، فإن خرج الآمر مضى لحاجته ، وإن خرج الناهي أمسك ، وإن خرج الغفل أعاده ، فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام ، قال الزجّاج : لا فرق بين هذا وبين قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا وأخرج لطلوع نجم كذا ، وفي «شرح التأويلات» رد هذا وقال : لا يقول المنجم إنّ نجم كذا يأمر بكذا ونجم كذا ينهى عن كذا كما كان فعل أولئك ، ولكن المنجم جعل النجوم دلالات وعلامات على أحكام الله تعالى ، ويجوز أن يجعل الله في النجوم معاني وأعلاما يدرك بها الأحكام ويستخرج بها الأشياء ولا لائمة في ذلك ، إنما اللائمة عليه فيما يحكم على الله ويشهد عليه ، وقيل هو الميسر ، وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة (ذلِكُمْ فِسْقٌ) الاستقسام بالأزلام خروج عن الطاعة ، ويحتمل أن يعود إلى كلّ محرّم في الآية (الْيَوْمَ) ظرف ليئس ولم يرد به يوم بعينه وإنما معناه الآن ، وهذا كما تقول أنا اليوم قد كبرت تريد الآن ، وقيل أريد يوم نزولها وقد نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) يئسوا منه أن يبطلوه ، أو يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأن الله تعالى وفى بعهده (١) من إظهاره على الدين كلّه (فَلا تَخْشَوْهُمْ) بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين بعد ما كانوا غالبين (وَاخْشَوْنِ) بغير ياء في الوصل والوقف ، أي أخلصوا إليّ الخشية (الْيَوْمَ) ظرف لقوله (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) بأن كفيتكم (٢) خوف عدوّكم وأظهرتكم عليهم ، كما يقول الملوك اليوم كمل لنا الملك أي كفينا من كنّا نخافه ، أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على شرائع الإسلام وقوانين القياس (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) حال ، اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضيّ وحده (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٣) (فَمَنِ اضْطُرَّ) متصل بذكر المحرمات ، وقوله ذلكم فسق اعتراض أكّد به معنى التحريم ، وكذا ما بعده ، لأنّ تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة
__________________
(١) في (ظ) و(ز) بوعده.
(٢) في (ز) كفيتم.
(٣) آل عمران ، ٣ / ٨٥.