(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤)
التامة والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل ، ومعناه فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها (فِي مَخْمَصَةٍ) مجاعة (غَيْرَ) حال (مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) مائل إلى إثم ، أي غير متجاوز سدّ الرّمق (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لا يؤاخذه بذلك (رَحِيمٌ) بإباحة المحظور للمعذور.
٤ ـ (يَسْئَلُونَكَ) في السؤال معنى القول ، فلذا وقع بعده (ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) كأنه قيل يقولون لك ماذا أحلّ لهم ، وإنما لم يقل ماذا أحلّ لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك بلفظ الغيبة ، كقولك أقسم زيد ليفعلن ، ولو قيل لأفعلن وأحلّ لنا لكان صوابا ، وماذا مبتدأ وأحل لهم خبره ، كقولك أي شيء أحلّ لهم ، ومعناه ماذا أحلّ لهم من المطاعم ، كأنهم حين تلي عليهم ما حرّم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما أحلّ لهم منها ، فقال : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) أي ما ليس بخبيث منها ، أو هو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب (١) أو سنة أو إجماع أو قياس (وَما عَلَّمْتُمْ) عطف على الطيبات ، أي أحلّ لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف ، أو تجعل ما شرطية وجوابها فكلوا (مِنَ الْجَوارِحِ) أي الكواسب للصيد من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازي والشاهين ، وقيل هي من الجراحة فيشترط للحلّ الجرح (مُكَلِّبِينَ) حال من علمتم ، وفائدة هذه الحال مع أنه استغني عنها بعلمتم أن يكون من يعلّم الجوارح موصوفا بالتكليب ، والمكلّب مؤدب الجوارح ومعلّمها ، مشتق من الكلب لأنّ التأديب في الكلاب أكثر ، فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه ، أو لأنّ السبع يسمّى كلبا ، ومنه الحديث : (اللهم سلط عليه كلبا من كلابك) (٢) فأكله الأسد (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال أو استئناف ولا موضع له ، وفيه دليل على أنّ على كلّ آخذ علما أن لا يأخذه إلّا من (٣) أنحرهم دراية ، فكم من آخذ عن غير متقن قد ضيّع أيامه وعضّ عند لقاء النحارير أنامله (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من علم (٤) التكليب (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) الإمساك على صاحبه أن لا يأكل منه ، فإن أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه ، فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا يحرّمه ، وقد عرف في موضعه والضمير في (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) يرجع إلى ما أمسكن ، على معنى وسمّوا
__________________
(١) زاد في (ز) لفظ الجلالة.
(٢) هو طرف حديث أخرجه الحاكم.
(٣) زاد في (ز) أقتل أهله علما و.
(٤) ليس في (ز) علم.