وردت السور مصدّرة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلا بوجه من الإعراب (١) ، وتقدمة من دلائل الإعجاز ، وذلك أنّ النّطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام الأميّون منهم وأهل الكتاب ، بخلاف النّطق بأسامي الحروف فإنّه كان مختصا بمن خطّ وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلّم منهم ، وكان مستبعدا من الأمي التّكلّم بها استبعاد الخطّ والتّلاوة ، فكان حكم النّطق بذلك مع اشتهار أنّه لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهله حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن ، التي لم تكن قريش ومن يضاهيهم في شيء من الإحاطة بها ، في أن ذلك حاصل له من جهة الوحي ، وشاهد لصحة نبوته ، واعلم أن المذكور في الفواتح نصف أسامي حروف المعجم ، وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ، وهي مشتملة على أنصاف أجناس الحروف ، فمن المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ، ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ، ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والقاف ، ومن الرّخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ، ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء ، ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون ، ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء ، ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون ، ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء وغير المذكورة من هذه الأجناس مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أنّ معظم الشيء منزلة كلّه ، فكأنّ الله تعالى عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما مرّ من التبكيت لهم وإلزام الحجّة إياهم. وإنّما جاءت مفرقة على السّور لأنّ إعادة التنبيه على المتحدّى به مؤلفا منها لا غير أوصل إلى الغرض ، وكذا كلّ تكرير ورد في القرآن ، فالمطلوب منه تمكين المكرّر في النفوس وتقريره ، ولم تجىء على وتيرة واحدة بل اختلفت أعداد حروفها مثل ص وق ون وطه وطس ويس وحم والم والر وطسم والمص والمر وكهيعص وحم عسق ، فوردت على حرف وحرفين وثلاثة وأربعة وخمسة كعادة افتنانهم في الكلام. وكما أنّ أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف فسلك (٢) في الفواتح هذا المسلك ، والم آية حيث وقعت وكذا المص آية ، والمر لم
__________________
(١) في (ز) الاغراب.
(٢) في (ز) سلك.