يكون في الرّجال من مرضيات الخصال ، وأن يكون الم خبر مبتدأ محذوف أي هذه الم جملة ، وذلك الكتاب جملة أخرى ، وإن جعلت الم بمنزلة الصوت ، كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب ، أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل (لا رَيْبَ) لا شك ، وهو مصدر رابني إذا حصل فيه (١) الريبة ، وحقيقة الريبة قلق النّفس واضطرابها ، ومنه قوله عليهالسلام : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة) (٢) أي فإن كون الأمر مشكوكا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقر ، وكونه صحيحا صادقا مما تطمئن له وتسكن ، ومنه ريب الزمان ، وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه ، وإنما نفى الريب على سبيل الاستغراق ، وقد ارتاب فيه كثير لأنّ المنفي كونه متعلقا للريب ومظنة له ، لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان ، بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه ، لا أن أحدا لا يرتاب ، وإنما لم يقل لا فيه ريب كما قال : (لا فِيها غَوْلٌ) (٣) لأنّ المراد في إيلاء الرّيب صرف (٤) النفي نفي الريب عنه وإثبات أنه حق لا باطل كما يزعم الكفار ، ولو أولى الظرف لبعد عن المراد (٥) هو أن كتابا آخر فيه ريب ، لا فيه كما (٦) في قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ) ، تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي ، والوقف على فيه هو المشهور ، وعن نافع (٧) وعاصم أنهما وقفا على ريب ، ولا بد للواقف من أن ينوي خبرا والتقدير لا ريب فيه (فِيهِ هُدىً) فيه بإشباع كلّ هاء مكي (٨) ووافقه حفص (٩) في (فِيهِ مُهاناً) (١٠) وهو الأصل كقولك مررت به ومن عنده وفي داره ، وكما لا يقال في داره ومن عنده وجب أن لا يقال فيه ، وقال سيبويه : ما قاله مؤد إلى الجمع بين ثلاثة أحرف سواكن الياء قبل الهاء والهاء ، إذ الهاء المتحركة في كلامهم بمنزلة الساكنة ،
__________________
(١) في (ظ) و(ز) فيك.
(٢) أخرجه الترمذي في آخر الطب ، والحاكم في الأحكام وفي البيوع ، والطبراني والبزار.
(٣) الصافات ، ٣٧ / ٤٧.
(٤) في (ظ) و(ز) حرف.
(٥) في (ز) يقصد إلى ما يبعد عن المراد.
(٦) في (ظ) كباقي قوله ، وفي (ز) كما قصد في قوله.
(٧) نافع : هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني ، أحد القراء السبعة المشهورين ، أصله من أصبهان لم يذكر تاريخ مولده مات عام ١٦٩ ه (غاية النهاية ٢ / ٣٣٠).
(٨) مكي : هو مكي بن أبي طالب حموش بن مختار الأندلسي القيسي ، أبو محمد ، مقرئ عالم بالتفسير والعربية ولد عام ٣٥٥ ه ومات عام ٤٣٧ ه (الأعلام ٧ / ٢٨٦).
(٩) حفص : هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي ، أبو عمر ، قارئ أهل الكوفة ولد عام ٩٠ ه وتوفي عام ١٨٠ ه وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءته (غاية النهاية ١ / ٢٥٤).
(١٠) الفرقان ، ٢٥ / ٦٩.