(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤٦)
تاب (١) وقال ابن عوف : إنّ الصلاة تنهى إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر ، وعن الحسن : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات ، وإنما قال ولذكر الله ليستقلّ بالتعليل ، كأنه قال والصلاة أكبر لأنها ذكر الله ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته ، وقال ابن عطاء : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له (٢) لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني ، ولأنّ ذكره لا يفنى وذكركم لا يبقى ، وقال سلمان : ذكر الله أكبر من كلّ شيء وأفضل ، فقد قال عليهالسلام : (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : (ذكر الله) (٣) وسئل أي الأعمال أفضل؟ قال : (أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله) (٤) أو ذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم ، أو ذكر الله أكبر من تلقى معه مصعية ، أو ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من غيره (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) من الخير والطاعة فيثيبكم أحسن الثواب.
٤٦ ـ (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بالخصلة التي هي أحسن (٥) وهي مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم كما قال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٦) (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة ، وقيل إلّا الذين آذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو إلّا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة ، أو معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدّين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلّا الذين ظلموا ، فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسيف ، والآية تدلّ على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين وعلى جواز تعلّم علم الكلام الذي به تتحقق المجادلة وقوله (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) من جنس المجادلة بالأحسن.
__________________
(١) قال ابن حجر : لم أجده.
(٢) زاد في (ز) الآن.
(٣) كنز العمال ١ / ١٧٦٧.
(٤) لم أجده.
(٥) زاد في (ظ) و (ز) للثواب.
(٦) المؤمنون ، ٢٣ / ٩٦. فصلت ، ٤١ / ٣٤.