(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٥١)
الباطل وهلك ، لأنّ الإبداء والإعادة من صفات الحي فعدمهما عبارة عن الهلاك ، والمعنى جاء الحقّ وزهق الباطل ، كقوله : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) (١) وعن ابن مسعود رضي الله عنه : دخل النبيّ صلىاللهعليهوسلم مكة وحول الكعبة أصنام ، فجعل يطعنها بعود نبعة (٢) ويقول : (جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ، جاء الحقّ وما يبدىء الباطل وما يعيد) (٣) وقيل الباطل الأصنام ، وقيل إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك ، كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك ، أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحدا ولا يبعثه ، فالمنشىء والباعث هو الله.
ولما قالوا قد ضللت بترك دين آبائك ، قال الله تعالى :
٥٠ ـ (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ) عن الحقّ (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) إن زللت (٤) فمنّي وعليّ (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) أي فبتسديده بالوحي إليّ ، وكان قياس التقابل أن يقال وإن اهتديت فإنما اهتدي لها ، كقوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) (٥) ولكن هما متقابلان معنى ، لأنّ النفس كلّ ما عليها وضارّ لها فهو بها وبسببها لأنها الأمارة بالسوء ، وما لها مما ينفعها فبهداية ربّها وتوفيقه ، وهذا حكم عام لكلّ مكلّف وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأنّ الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محلّه وسداد طريقته كان غيره أولى به (إِنَّهُ سَمِيعٌ) لما أقوله لكم (قَرِيبٌ) مني ومنكم ، يجازيني ويجازيكم.
٥١ ـ (وَلَوْ تَرى) جوابه محذوف أي لرأيت أمرا عظيما وحالا هائلة (إِذْ فَزِعُوا) عند البعث ، أو عند الموت ، أو يوم بدر (فَلا فَوْتَ) فلا مهرب ، أو فلا يفوتون الله ولا يسبقونه (وَأُخِذُوا) عطف على فزعوا ، أي فزعوا أو أخذوا فلا فوت لهم ، أو على لا فوت على معنى إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من الموقف إلى النار إذا بعثوا ، أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا ، أو من صحراء
__________________
(١) الإسراء ، ١٧ / ٨١.
(٢) في (ز) معه ، والنبع : شجر تتخذ من أغصانه السهام. الواحدة نبعة.
(٣) متفق عليه ، وفي البخاري : وحول الكعبة ستون وثلاثمائة نصب.
(٤) في (ظ) و (ز) ضللت.
(٥) الزمر ، ٣٩ / ٤١.