(فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (٣٦) فَأَمَّا مَن طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)(٤١)
البعث (أَشَدُّ خَلْقاً) أصعب خلقا وإنشاء (أَمِ السَّماءُ) مبتدأ محذوف الخبر ، أي أم السماء أشد خلقا ، ثم بين كيف خلقها فقال (بَناها) أي الله ، ثم بين البناء فقال (رَفَعَ سَمْكَها) أعلى سقفها ، وقيل جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعا مسيرة خمسمائة عام (فَسَوَّاها) فعدّلها مستوية بلا شقوق ولا فطور (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أظلمه (وَأَخْرَجَ ضُحاها) أبرز ضوء شمسها ، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) بسطها ، وكانت مخلوقة غير مدحوّة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام ، ثم فسر البسط فقال (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها) بتفجير العيون (وَمَرْعاها) كلأها ، ولذا لم يدخل العاطف على أخرج ، أو أخرج حال بإضمار قد (وَالْجِبالَ أَرْساها) أثبتها ، وانتصاب الأرض والجبال بإضمار دحا وأرسى على شريطة التفسير (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) فعل ذلك تمتيعا لكم ولأنعامكم.
٣٤ ـ ٤١ ـ (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) الداهية العظمى التي تطمّ على الداوهي ، أي تعلو وتغلب وهي النفخة الثانية ، أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) بدل من إذا جاءت ، أي إذا رأى أعماله مدونة في كتابه يتذكّرها وكان قد نسيها (ما سَعى) مصدرية ، أي سعيه ، أو موصولة (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) وأظهرت (لِمَنْ يَرى) لكل راء لظهورها ظهورا بيّنا (فَأَمَّا) جواب فإذا ، أي فإذا جاءت الطامة فإنّ الأمر كذلك (مَنْ طَغى) جاوز الحدّ فكفر (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) على الآخرة باتباع الشهوات (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) المرجع أي مأواه ، والألف واللام بدل من الإضافة ، وهذا عند الكوفيين ، وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي علم أنّ له مقاما يوم القيامة لحساب ربه (وَنَهَى النَّفْسَ) الأمارة بالسوء (عَنِ الْهَوى) المردي (١) ، أي زجرها عن اتباع الشهوات ، وقيل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها ، والهوى ميل النفس إلى شهواتها (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) أي المرجع.
__________________
(١) في (ظ) المودّي ، وفي (ز) المؤذي.