(كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ(١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (١٩)
ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود ، أو جعلك معتدل الخلق تمشي قائما لا كالبهائم. وبالتخفيف كوفي وهو بمعنى المشدد أي عدّل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت فكنت معتدل الخلقة متناسبا (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ما مزيد للتوكيد أي ركّبك في أي صورة اقتضتها مشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر ، ولم تعطف هذه الجملة كما عطف ما قبلها لأنها بيان لعدلك ، والجار يتعلق بركّبك على معنى وضعك في بعض الصور وسكّنك فيه (١) ، أو بمحذوف أي ركّبك حاصلا في بعض الصور.
٩ ـ ١٢ ـ (كَلَّا) ردع عن الغفلة عن الله تعالى (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) أصلا ، وهو الجزاء ، أو دين الإسلام فلا تصدقون ثوابا ولا عقابا (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) أعمالكم وأقوالكم من الملائكة (كِراماً كاتِبِينَ) يعني أنكم تكذّبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم ، وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور ، وفيه إنذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال : ما أشدّها من آية على الغافلين.
١٣ ـ ١٩ ـ (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) إن المؤمنين لفي نعيم الجنة (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وإن الكفار لفي النار (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) يدخلونها يوم الجزاء (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) أي لا يخرجون منها كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) (٢) ثم عظم شأن يوم القيامة فقال (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) فكرر للتأكيد والتهويل ، وبيّنه بقوله (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) أي لا تستطيع دفعا عنها ولا نفعا لها بوجه وإنما تملك الشفاعة بالإذن. يوم بالرفع مكي وبصري أي هو يوم ، أو بدل من يوم الدين ، ومن نصب فبإضمار اذكر ، أو بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) مكنك فيها.
(٢) المائدة ، ٥ / ٣٧.