(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (٧٥) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (٧٦) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) (٧٨)
٧٥ ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) ما منعك عن السجود (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) أي بلا واسطة ، امتثالا لأمري وإعظاما لخطابي ، وقد مر أنّ ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيده فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما ، حتى قيل في عمل القلب هو ما عملت يداك ، وحتى قيل لمن لا يدين له يداك أوكتا وفوك نفخ. وحتى لم يبق فرق بين قولك هذا مما عملته وهذا مما عملته يداك ، ومنه قوله : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) (١) ولما خلقت بيديّ (أَسْتَكْبَرْتَ) استفهام إنكار (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) ممن علوت وفقت ، وقيل أستكبرت الآن أم لم تزل مذ كنت من المستكبرين.
٧٦ ـ (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) يعني لو كان مخلوقا من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين ، والنار تغلب الطين وتأكله ، وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهي خلقتني من نار مجرى المعطوف عطف البيان من المعطوف عليه في البيان (٢).
٧٧ ـ (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) من الجنّة ، أو من السماوات ، أو من الخلقة التي أنت فيها ، لأنه كان يفتخر بخلقته ، فغيّر الله خلقته ، واسودّ بعد ما كان أبيض ، وقبح بعد ما كان حسنا ، وأظلم بعد ما كان نورانيا (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مرجوم أي مطرود ، تكبّر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين ، وزلّ عنه أنّ الله أمر به ملائكته وتبعوا أمره إجلالا لخطابه ، وتعظيما لأمره ، فصار مرجوما ملعونا بترك أمره.
٧٨ ـ (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) بفتح الياء مدني ، أي إبعادي من كلّ الخير (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) أي الجزاء (٣) ، ولا يظنّ أنّ لعنته غايتها يوم الدين ، ثم تنقطع ، لأن معناه أنّ عليه اللعنة في الدنيا وحدها ، فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد ، أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه في غير أوانها وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤).
__________________
(١) يس ، ٣٦ / ٧١.
(٢) ليس في (ز) : من المعطوف عليه في البيان.
(٣) في (ظ) و (ز) أي يوم الجزاء.
(٤) الأعراف ، ٧ / ٤٤.