ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)
____________________________________
(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) أي تاب الله عليهم ورجع إليهم بعد أن أعرض عنهم بقبوله توبتهم في التخلف عن تبوك (لِيَتُوبُوا) أي يرجعوا إلى حالتهم الأولى قبل المعصية ، فيكون لهم ما للمسلمين لا يقاطعون ولا ينبذون (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) مبالغة في «التائب» ، فإنه سبحانه كثير الرجوع إلى عباده إن رجعوا إليه ، وليس ككبرياء الناس حيث أنه إن قطعوا عن أحد لا يعودون إليه ، ولو عادوا لم يتكرر ذلك منهم مرات ومرات ، فالإنسان مهما عصى وتاب ، قبل الله توبته إذا كانت توبة نصوحا ، وإن نقض التوبة قبل ذلك ألف مرة (الرَّحِيمُ) يرحم العباد ويتفضل عليهم بلطفه ، فليست توبة مجردة ، وإنما مع التفضيل والتكرّم.
لقد كان هؤلاء الثلاثة المتخلفون ـ كعب ومرارة وهلال ـ أرجئوا ، في الآية السابقة (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) ثم تاب الله عليهم هنا ، وكان في كلا الأمرين أبلغ حكمة ، وخير تأديب وموعظة.
وهنا كلمة لا بد من بيانها وهي أن الناظر في الآيات يرى أن بعض العاصين كان الله والرسول يعفوان عنهم كهؤلاء ، وبعضهم يبقون موضع السخط والغضب ك «ثعلبة» الذي تقدمت أحواله ، إن هذا يكشف عن الفرق بين العصاة ، فمن أصلح منهم وطهر قلبه استحق العفو والغفران ، أما من أبدى التوبة وقلبه ملوّث بالذنوب والنفاق ، فلم يكن تنفعه الندامة ، ولذا كان مطرودا من رحمة الله ، وقد بيّن سبحانه أن قبول التوبة مشروط بالطهارة والنقاء ، كما في قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) (١) ، وغيرها من الآيات.
__________________
(١) المائدة : ٩٤.