الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥)
____________________________________
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) يا رسول الله ، أو أيها السامع ، فإن القرآن وما يشتمل عليه من الأصول والأحكام والقصص كله حق لا مرية فيه (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) «الامتراء» طلب الشك مع ظهور الدليل ، وهو من «مرى الضرع» إذا مسحه ليدر ، ولا معنى لمسحه بعد درّه الحليب.
ولا يخفى أن مثل هذا الكلام ، إنما يفيد التلقين والإيماء ، فإن المطلب إذا ألقي على النفس قبلته. فلا يقال : ما فائدة هذا الكلام؟ إذ المخاطب إن كان شاكا لا يزول شكه بقولك : «لا تشك» ، وإن لم يكن شاكا كان مثل هذا الكلام معه لغوا ، كما أنه لا تنافي بين (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) وبين (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) فإنها بمعنى : «إن كنت في شك فاسأل حتى يزول الشك ولا تبقى فيه إلى الأبد».
[٩٦] (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) أي لا تكن في جملة المكذبين بأدلة الله وحججه التي أقامها على توحيده وسائر صفاته وأحكامه (فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم إذ هم صرفوها واشتروا بذلك العذاب والنكال.
[٩٧] وبعد وضوح الحجة وظهور المحجة وقيام الأدلة على ما أنزل على الرسول فما هو سبب إصرار قوم على الكفر والتكذيب؟ إنهم حقت فيهم كلمة الله ، فقد بيّن سبحانه سابقا أن من أعرض عن الحق بعد وضوحه لا بد وأن يقسو قلبه حتى أنه لو رأى كل آية لا يؤمن ، فقد