لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩)
____________________________________
ووقت معين عدّت أيامه في علم الله سبحانه لمصالح خاصة (لَيَقُولُنَ) على وجه الاستهزاء : (ما يَحْبِسُهُ)؟ أي : أيّ شيء يؤخر هذا العذاب الموعود عنّا إن كان الوعد حقا ، فتأخيره دليل على كذبه (أَلا) فلينتبه السامع (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) العذاب (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) لا يقدر أحد على صرفه عنهم ، بل يأخذهم ويهلكهم (وَ) حينذاك (حاقَ بِهِمْ) أحاط بهؤلاء المكذبين (ما) أي العذاب الذي (كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فلا منجي لهم ولا مهرب. أما تأخير العذاب فلأجل إيمان من يؤمن ، ممن يعلم الله إيمانه منهم ، ولينشأ بعض الذراري من أصلاب الكفار ، وإنما يأخذ الله سبحانه بعذاب الاستئصال من لم يجد منه خيرا إلى الأبد.
[١٠] إن الإنسان عجول في حكمه وتقلبه فهو يستعجل العذاب ، كما أنه ييأس لمجرد نزول البلية ، والفخر بمجرد نزول النعمة (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) أنزلنا إليه رحمة ذاقها ، من صحة أو مال أو ولد أو نحوها. والمراد ب «الذوق» هنا مطلق الإدراك ، فإنه يستعمل فيما يتذوق باللسان ، وفيما يدرك بالحواس الظاهرة ، وفيما يدرك ولو بالحواس الباطنة ، كما أن الرؤية كذلك ، تقول : رأيت وجه زيد ، ورأيت خشونة الحصير ، ورأيت الله أكبر كل شيء (ثُمَّ نَزَعْناها) أي سلبنا تلك النعمة (مِنْهُ) من الإنسان لمصلحة اقتضته (إِنَّهُ) أي الإنسان (لَيَؤُسٌ) ذو يأس وقنوط (كَفُورٌ) يكفر بالله وييأس من روحه ورحمته.