ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)
____________________________________
المطالبين بإنزال الملائكة وما أشبه إن كانوا منصفين كفاهم الدليل ، وإن كانوا معاندين لم يكفهم ألف دليل ، فلما ذا يأتي النبي بالملائكة ، وها نراهم يقولون للنبي في آية أخرى (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (١).
[٩] لكن القرآن يردهم بأسلوب آخر ، هو أن الملائكة لا ينزلون إلا للعذاب والهلاك ، فهكذا اقتضت مشيئة الله سبحانه ، حتى في بدر نزلت الملائكة لعذاب الكفار ، فإذا أنزلنا الملائكة عذبوهم وأهلكوهم فلا يستفيدون من إنزال الملائكة شيئا ، وقد جرت سنة الله كذلك في القرون الماضية والأمم الخالية (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) لا للعبث واللغو ، كما يطلبه هؤلاء فإن إجابة المعاند بعد إثبات الحجة عليه لغو وعبث (وَما كانُوا إِذاً) حين نزول الملائكة (مُنْظَرِينَ) أي مؤخرين ممهلين ، بل الملائكة إذا نزلت فإنما تنزل للعذاب والهلاك فهل يريدون هلاك أنفسهم بهذا الطلب؟ ثم ألم نر الكفار يوم بدر رأوا الملائكة بعيونهم ، ولكنهم لم يؤمنوا وقالوا أنه سحر؟
[١٠] إنهم إن كانوا صادقين في طلبهم الحجة ، فأية حجة أقوى من القرآن الحكيم ، الذي مع كبره وسعته وإنه بلغتهم عاجزون عن إتيان سورة من مثله ف (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) وسمي القرآن ذكرا لأنه يذكّر الإنسان بالعقيدة والنظام مما فطر في جبلة الإنسان لكنه ذهل عنه (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من التغيير والتحريف والزيادة والنقصان ، والذي أعتقده
__________________
(١) الأعراف : ١٣٣.