وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩)
____________________________________
الناس يستغربون من المعاد ، أكثر مما يستغربون من المبدأ ، ولذا يتخذون الآلهة والأصنام ، فكأن المبدأ أمر مفروغ منه ، وإنما كلامهم حول تعيينه وتشخيصه ، أما المعاد فأصله محل ريبهم وإنكارهم.
[٩] (وَ) بعد هذه الدلائل الظاهرة على وجود الله سبحانه هناك (مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) فينكر وجوده وقدرته (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وقطع ، وإنما هو شاك في نفسه (وَلا هُدىً) يهديه إلى ذلك ، ولو لم يكن علما (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ينير القلب والروح ، فلا علم له ، ولا دليل عقلي يؤيده ، ولا دليل سمعي يستند إليه.
[١٠] وحاله في الكبر عن قبوله الحق شبيه بالمتكبر الظاهر عليه الكبر في جسمه وأطواره (ثانِيَ عِطْفِهِ) العطف جانب الإنسان الذي يعطفه ويلويه عند الإعراض عن الشيء ، من تحت إبطه إلى حقوه ، والإنسان غير المعرض ، عطفه مستقيم ، فإذا أعرض لواه ، وبذلك يكون قد ثناه إذ بقي الجانب التحتي قرب الحقو في مكانه ومال الجانب الفوقي تحت الإبط نحو اتجاه الخلف ، وهذا كناية عن المتكبر المعرض ، والجملة حال (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فهو لا يحمل تبعة ضلال نفسه ، وإنما يضل غيره أيضا ، (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هوان وذل وفضيحة ، فإن الكفار دائما في هوان ، حتى إذا ساروا ظاهرا ، كما نرى من حال الغرب والشرق ـ اليوم ـ (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار التي تحرقهم ، ومعنى الإذاقة ، إحاطته بالنار ، حتى