وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)
____________________________________
[٥٤] (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) إن كان هذا من كلام يوسف عليهالسلام ، كان المراد منه التواضع ، أي اني لا أنزه نفسي فإن ما صدر مني من العصمة انما كان بحفظ الله سبحانه ، فلا أريد تزكية نفسي ، والعجب من عملي وطهارتي ، كما يقول أحدنا ـ إذا قيل له أنت فعلت كذا ـ : أنا لم أفعل وإنما وفقني الله سبحانه ، قال سبحانه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (١) وإن كان من كلام زليخا ـ تتمة لقولها : لم أخنه ـ كان المراد اني وإن اعترفت حالا ، وقلت «لم أخنه» لكن لا أنزه نفسي عن الخيانة ، فقد خنت يوسف في إلصاق التهمة به ، وإلقائه في السجن (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي كثيرة الأمر بالسوء والذنب ، فإن «أمارة» صيغة مبالغة (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) «ما» إما موصولة ، أي إلا النفس التي رحمها الله ، أو وقتية ، أي إلا الوقت الذي رحم الله ، فعصم النفس عن الذنب (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ) لسالف الذنوب (رَحِيمٌ) يرحم الإنسان فيأخذ يده عن الزلّة والسقوط.
[٥٥] (وَ) إذ تمت البراءة وظهر أمر يوسف عليهالسلام طهارة وعلما (قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) أي جيئوا إليّ بيوسف (أَسْتَخْلِصْهُ) ، أجعله خالصا (لِنَفْسِي) فيكون وزيري ومشاوري ، فإن الاستخلاص طلب خلوص الشيء من شائب الاشتراك (فَلَمَّا) جاء الرسول وأخرج يوسف من السجن ولما مثل بين يدي الملك (كَلَّمَهُ) فعرف عقله وفضله وأدبه حتى صار السماع عيانا (قالَ) الملك له (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) ،
__________________
(١) الأنفال : ١٨.