هذا الأمر الذي نسميه بالسياق القرآنيّ يقتضي التكرار أيضا ؛ لتحقيق هذا الغرض السياقيّ الذي يختلف عن الغرض السياقيّ الآخر لنفس القصّة ، وسوف تتضح معالم هذه النقاط بشكل أكثر عند دراستنا التطبيقية التالية لقصّة موسى عليهالسلام في القرآن الكريم.
وقد ذكر السيوطيّ في الإتقان عدّة أسباب اخرى ينسبها إلى (البدر بن جماعة) في كتابه المقتنص في فوائد التكرار القصص :
ومنها : ما ذكره الشيخ الطوسيّ آنفا.
ومنها : أنّ ذلك كان من وسائل التحدي بالقرآن ؛ لاختلاف القصّة بالنظم ، ومع ذلك عجز العرب عن الإتيان بمثله.
وذكر أسبابا اخرى فيها تكرار هذه الأسباب (١).
اختصاص القصّة بأنبياء الشرق الأوسط :
وثمّة ظاهرة اخرى ، هي : أنّ القرآن الكريم تحدّث عن مجموعة من الأنبياء كانوا يعيشون جميعا في منطقة الشرق الأوسط ، أي : المنطقة التي كان يتفاعل معها العرب الذين نزل القرآن في محيطهم ومجتمعهم. وقد تفسّر هذه الظاهرة بأنّ النبوّات كانت بالأصل في هذه المنطقة ، ومن خلالها انتشر الهدى في جميع أنحاء العالم ، ويؤيد ذلك الاستعراض التاريخيّ للنبوّات وتاريخ الإنسان في التوراة ، وبعض الأبحاث الآثارية والروايات الدينية خصوصا الواردة عن أهل البيت عليهمالسلام ، وحينئذ يصبح تفسير هذه الظاهرة واضحا ، وهو : أنّ الواقع التاريخيّ للحياة الإنسانية فرض هذه الظاهرة.
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم.