الرّاهنة لشعوره ، وهي ضرورة تجعل من العصيان أمرا مقيتا ، ومستهجنا.
ولسوف نرى (١) في أي صورة ساق القرآن هذه الضّرورة الّتي يسميها : أمرا [Imperatif] ، وكتابة [Prescription] ، وفريضة [Devoir].
فإذا ما عرفنا مبدأ الإلزام ، وطرحناه على هذا الوجه ـ وجب علينا الآن أن نتغلغل أكثر ، في معرفة طبيعته ، دارسين مصادره ، وخصائصه ، ومناقضاته.
١ ـ مصادر الإلزام الأخلاقي :
استطاع الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون ، في تحليله العميق لقضية الإلزام الأخلاقي أن يكشف له عن مصدرين : أحدهما : قوة الضّغط الإجتماعي ، والآخر : قوة الجذب ذي الرّحابة الإنسانية المستمدة من العون الإلهي ، وهي قوة أوسع مدى من سابقتها.
وقد فسر ذلك قائلا : إننا نؤدي الدّور الّذي عينه لنا المجتمع ، ونتبع الطّريق الّتي رسمها لنا ، ثمّ نسلم قيادنا لهذه الطّريق ، نترسمها كلّ يوم ، بنوع من العادة لا يكاد يخالطه تفكير ، أشبه شيء بغريزة النّحلة ، أو النّملة. وذلكم هو ما يسمى عادة : بالوفاء بالواجب.
ولو أننا قاومنا ذلك لحظة ، أو حاولنا أن نعدل من سيره فإننا لا نلبث أن نرتد إليه ، شئنا أو أبينا ، بفضل تلك القوة القاهرة للحياة الجماعية.
هذا الدّور يختلف إختلافا كاملا في وجهه الآخر ، فعلى حين أنّ أخلاق الكافة أثر ناشىء عن نوع من القهر الجماعي ، نجد أنّ أخلاق الممتازين منهم
__________________
(١) انظر ، فيما بعد ، في نفس الفصل ـ الفقرة الثّانية.