تتصوره سوى قوة الإدراك» (١). فالإنسان بانتمائه في وقت وأحد إلى عالم الإدراك ، وعالم الحسّ ، ذو طبيعتين ، تسيطر أشرفهما ، وهي (العقل) على دنياهما ، وهي (حبّ الذات غير المشروع) وهذا الصّوت العقلي واضح تمام الوضوح ، «شديد التّأثير ، قابل لأنّ يدركه حتّى السّذج من النّاس ... والحدود الّتي تفصل الأخلاقية عن حبّ الذات مميزة بكثير من الوضوح ، والضّبط ، حتّى إن النّظرة العادية لا تعجز عن تمييز ما يتصف به أحدهما ، دون الآخر» (٢).
فإذا ما رددنا نظرية (كانت) إلى أبسط تعبير عنها ، وخلصناها من جميع مظاهر الدّقة الشّكلية ، ونزعة التّسامي ، ونقيناها أيضا من نزعة التّشاؤم ، الّتي اتسمت بها ؛ ومن بعض ما شابها من البرود العاطفي ـ فهي بعد هذا لا تعد من المسلمات فحسب ، بل إنّها لتتفق تماما ـ فيما نرى ـ مع النّظرية المستخلصة من القرآن.
لقد علمنا هذا الكتاب أنّ النّفس الإنسانية قد تلقت في تكوينها الأولي الإحساس بالخير ، وبالشر : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٣).
وكما وهب الإنسان ملكة اللّغة ، والحواس الظّاهرة ، فإنّه زود أيضا ببصيرة أخلاقية : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (٤).
ولقد هدي الإنسان طريقي الفضيلة ، والرّذيلة : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٥) ، حقا (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (٦). ولكن
__________________
(١) انظر : ١ ـ Kant.Critique de la Raison Pratique ,p.١٩
(٢) انظر ، المرجع السّابع : ٣٥ ـ ٣٦.
(٣) الشّمس : ٧ ـ ٨.
(٤) القيامة : ١٤.
(٥) البلد : ٨ ـ ١٠.
(٦) يوسف : ٥٣.