الإنسان قادر على أن يحكم أهواءه : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (١).
وإذا لم يكن كلّ النّاس يمارسون هذا التّأثير على أنفسهم فإنّ منهم من يفعله بتوفيق الله له ، وهو ما قرره رسول الله صلىاللهعليهوآله في قوله : «إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من نفسه ، يأمره وينهاه» (٢).
ففي الإنسان إذن قوة باطنة ، لا تقتصر على نصحه وهدايته وحسب ، بل إنّها توجه إليه بالمعنى الصّريح أوامر بأن يفعل ، أو لا يفعل.
فما ذا تكون تلك السّلطة الخاصة ، الّتي تدّعي السّيطرة على قدراتنا الدّنيا ، إن لم تكن ذلك الجانب الوضيء من النّفس ، والّذي هو العقل؟ ..
ذلكم أيضا هو ما عبر عنه القرآن بألفاظه الخاصة ، حين صور حال الكافرين بين أمرين ، فقال تعالى : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٣)؟.
فها هو ذا مبدأ الطّرف الثّالث المستبعد من الأخلاق قد استبان ووضح ، إذ ليس وراء أمر العقل ، وقيادته قاعدة أخرى ـ سائغة ـ للسلوك ، فهو وحده إذن السّلطة الشّرعية.
في هذه الظّروف نستطيع أن نقول مع (كانت) : إننا مشرعون ورعايا في آن ، وإنّ التّجربة الأخلاقية للندم لتؤكد هذا الأزدواج ، فنحن عند ما نقصر في واجبنا
__________________
(١) النّازعات : ٤٠.
(٢) الدّيلمي ـ مسند الفردوس ، صحيح من طريق أم سلمة ، يذكره السّيوطي في الجامع الصّغير : ١ / ١٧.
(٣) الطّور : ٣٢.