نحسّ أننا قد هبطنا إلى مستوى غير خليق بنا ، ونعترف ضمنا بأننا مخلوق نبيل قد زلّ ؛ ولا يزال القرآن يوقظ فينا هذا الشّعور بكرامتنا الأصلية ، ويؤصله ، فهو لا يقرر فقط أنّ الله كرم الإنسان ، وبسط سلطانه على الأرض ، وعلى البحار : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (١) ، ولم يقتصر فضل الله سبحانه على أنّ أمر الملائكة أن تسجد أمام أبينا : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) (٢) ، وهي درجة رفيعة ، كثيرا ما يذكرنا القرآن بها في مثل قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) (٣). ليس هذا فحسب ، ولكنا ، إذا ما نحينا جانبا تلك الإشارات الخارجية إلى الكرامة الإنسانية ، وإذا ما وقفنا أمام القيمة الأخلاقية فإنّه يبدو لنا أنّ القرآن لا ينظر إلى الطّبيعة الإنسانية على أنّها شريرة في أصلها ، ولا على أنّها فاسدة فسادا عضالا ، بل على العكس من ذلك : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤). ولم يهلك من النّاس بعد هذا سوى الجاحدين ، والذين لا يؤدون شعائر دينهم : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٥) ، وفي آية أخرى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (٦) ـ لم يهلك إلّا الذين : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ
__________________
(١) الإسراء : ٧٠.
(٢) البقرة : ٣٤.
(٣) الأعراف : ١١ ، وأيضا : الحجر : ٢٩ ، وطه : ١١٦ ، وص : ٧٢ ... إلخ.
(٤) التّين : ٤.
(٥) التّين : ٥ ـ ٦.
(٦) المعارج : ١٩ ـ ٢٢.