آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١).
فالأمر إذن أمر إختيار حرّ دنيوي ، لا علوي ، وهو يرجع إلى استخدامنا الحسن ، أو السّيء لملكاتنا العليا ، وهي ملكات يزكي تثقيفها النّفس ، كما يدسيها ويطمسها إهمالها : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (٢).
والحقّ أنّ القرآن لم يقتصر على الملكات العقلية وحدها ، فلقد عنى في الوقت نفسه عناية كبيرة بإيقاظ أشرف مشاعرنا ، وأزكاها ، بيد أنّه لم يحرك هذه المشاعر إلّا تحت رقابة عقلنا ، فهو يتوجه إلينا دائما ، أعني : يتوجه إلى ذلك الجانب المضيء من أنفسنا ؛ إلى ملكتنا القادرة على أن تفهم ، وأن تقدر في كلّ شيء ما يضر ، وما ينفع ، وأن تقوم القيم المختلفة.
ومن المشاعر السّامية الّتي حركها القرآن فينا ـ نذكر على سبيل المثال (٣) ما جاء فيه دعما لسائر واجباتنا الأجتماعية ، بالمعنى الأوسع لكلمة : (مجتمع) ، ألا وهو الشّعور بالأخوة الإنسانية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) (٤) ، (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (٥). ولقد تجلى هذا الشّعور حين قدم لنا القرآن في صورة عاطفية مؤثرة
__________________
(١) الأعراف : ١٧٩.
(٢) الشّمس : ٩ ـ ١٠.
(٣) لمن أراد معرفة أوسع أن يرجع إلى الفصل المعنون «نظام التّوجيه القرآني» ـ المبحث الثّالث من الفصل الثّالث ـ م.
(٤) الحجرات : ١٣.
(٥) النّساء : ١.