مشهد الفزع الّذي ينبغي أن يزعنا عن أغتياب الآخرين ، فشبه المغتاب به من (يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ) ـ ثم يضيف : (فَكَرِهْتُمُوهُ) (١) ـ كلكم أجمعون.
وإذا كان الأمر كذلك ، ألّا يمكن أن نستخلص منه أن الإنسان يملك في غيبة أي تعليم إيجابي ـ جميع الوسائل الضّرورية ، العقلية ، والعاطفية ، لكي يميز ما يفعل مما يدع؟ ، وعلى ذلك ألّا يكون التّشريع للخير ، وللشر أحد شؤوننا نحن؟.
وينبغي للإجابة عن هذا السّؤال أن نحدد معنى هذه الدّعوى ، وأهميتها. هل نريد أن نقتصر على وجهة النّظر الإنسانية ، ونهتم بخاصة بالضمير الفردي ، أو أننا نريد أن نتناول وجهة الشّيء في ذاته؟.
فإذا كانت فكرة الخير ، والشّر قد حددت عقلا على أنّها : «صفة كمال ، أو نقصّ ، موافق للطبع ، أو مخالف ، مستحق للمدح ، أو الذّم» ـ فإنّ المتكلمين المسلمين لم يجدوا صعوبة في أن يقرروا صلاحية الإنسان للتشريع من هذه النّاحية ، ولكن هل كلّ ما نرى أنّه حسن ، أو قبيح ، بحسب عقولنا ، هو في ذاته كذلك بالضرورة؟. وبعبارة أخرى : هل هو كذلك في نظر العقل الإلهي؟. وهل نحن على ذلك مدينون أمام الله سبحانه ، حتّى قبل أن نتلقى أوامره بوساطة رسله؟ ..
لقد دارت مناقشاتهم حول هذه النّقطة المحددة ، وتنوعت إجاباتهم الّتي
__________________
(١) الحجرات : ١٢.