والفناء؟. أو أنّه يكفي أن نتظاهر ـ كما يفعل الرّواقيون ـ بنوع من اللامبالاة تجاه كلّ ضروب الخير ، والشّر في هذا العالم ، وإن كنا نفضل بعضها على بعض؟ .. أو أنّه يجب علينا أخيرا أن نستمتع بكلّ ملذات الحياة ، سواء أكان ذلك في حكمة وأنتقاء ، كما يعلمنا النّفعيون ، أم كان بلا قاعدة أو منهج ، على طريقة أريستيب (١) [Aristippe] والشّعراء في كلّ زمان؟ ..
ومع ذلك فكلّ هذه ضروب من الإدراك تؤكد أننا قد رجعنا في أمرها إلى الفطرة الإنسانية ، وأتحنا لكلّ منها الوسيلة الفريدة الّتي تجعل صاحبها يسلك سلوكا مطابقا لتلك الفطرة ، بقدر الإمكان.
وكذلك الحال في علاقاتنا بأقراننا ، فإنّ الإهتداء إلى السّلوك المناسب لا يقل صعوبة بسبب ما يواجهنا من اختلاف في الرّأي. ونسوق هنا مثالا طالما قوبل من قبل بآراء متعارضة : فهل يجب على من لحقته إهانة أن يقتص ، أو أن يعفو ، أو أنّ له الخيار؟. وهل يجب علينا أن نعامل أخواتنا بتحفظ ، أو بقساوة ، أو نكشف لهن عن حبنا الأخوي؟ .. وهل ينبغي أن نساعد الآخرين ليعيشوا أعفاء ، أو نتركهم لوسائلهم الخاصة؟ .. إلخ ..؟؟ .. فلو أننا أردنا أن ننزل إلى تفاصيل الحياة اليومية من : بيع ، وربا ، وخمر ، وزواج ، وزنا ، فإنّ الخطايا سوف تعظم أبدا ، ولسوف تقاوم العقول دائما بعقول ، كما تقاوم العواطف بعواطف.
لقد أبصر (كانت) الصّخرة الّتي تصطدم بها الأخلاق القائمة على الضّمير
__________________
(١) أريستيب : فيلسوف إفريقي ، ولد في القرن الرّابع قبل الميلاد ، وهو تلميذ لسقراط ، وصاحب مدرسة كانت تبني السّعادة على أساس الملذات. «المعرب».