الفردي ، والواقع أنّه من المستحيل عند بلوغ درجة معينة أن نسن قانونا يفرض بإعتباره ضرورة على كلّ الضّمائر ، فلما ذا أضحي بإقتناعي من أجل إقتناعك؟.
إنّ من الضّروري إذن أن نلجأ إلى سلطة عليا لحسم الخلاف ؛ ولن يكون الحل بكلّ تأكيد أن نعترف بهذه السّلطة للمجتمع ، إذ كان الأمر أمر أخلاقية [Moralite] ، لا أمر شرعية [Legalite]. وهنا نلمح الدّافع السّليم الّذي حدا بكانت أن يلتمس هذا التّشريع من سلطة أعلى ، تتوفر لها صفتا : الأخلاقية والشّمول ، وأعتقد أنّه واجدها في العقل نفسه ، في صورته الأكثر صفاء وتجريدا ، والّذي يحكم جميع الأشياء بقانون عدم التّناقض La loi de la non ـ contradiction ، ولسوف تتاح لنا الفرصة لنلاحظ إفلاس مثل هذا المعيار (١).
ونلاحظ أنّ (كانت) نفسه يعترف بعجز نقده عن تحديد الواجبات الإنسانية بخاصة ، وهي الواجبات الّتي يعد تقسيمها من مهمة نظام العلم ، لا من مهمة نظام نقد العقل بعامة ، فإنّ هذا النّظام لا يستتبع أي رجوع إلى الفطرة الإنسانية (٢).
وإذن ، فالناس محتاجون على وجه التّحديد إلى قاعدة صالحة للتطبيق على فطرتهم ؛ ويستطيع كلّ منهم في الحالات السّهلة أن يجد تلك القاعدة مسجلة بصورة ما في ضميره : أي أنّ الشّخص لا يحتاج إلى ذلك الكيان الشّكلي المجرد ، وهو إن إحتاج إليه فإنّ هذه الفكرة الفارغة لا تفيدنا شيئا محددا.
لا بد إذن من أن نتوجه وجهة أخرى ، فأين نفتش عن ذلكم النّور البديع لنهدي
__________________
(١) انظر فيما بعد : المبحثين الثّاني ، والثّالث.
(٢) انظر : ١ ـ Kant ,Crit.de la R.part ,preface ,p.٦.