فالنبي صلىاللهعليهوسلم يعلن في موقف معين أنّه معصوم ، حين يكون مبلغا ـ كما رأينا ـ أمرا ، بوصفه رسول الله ، فإذا ما بلغ رسالته ، وبيّنها للناس ، واستودعها ذاكرة الجماعة ، فإنّ النّقص الفطري الّذي لا يفتأ يصيب أنتباه الإنسان مهما يكن عقله قويا ذكيا ـ قد يجوز أن يظهر أحيانا عنده ، ولكن مع فارق هام هو : أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم لا يمكن أن يستمر مطلقا على رأي خاطىء ، وإذا لم يعد إلى الصّواب بالطريق المعتادة فإنّ الوحي يتدخل حتما لتصحيح خطئه ، وإقامته على الصّراط المستقيم ، وإلا وقعت الجماعة كلّها في الخطأ ، وإلتّزمت بإتباعه في طريق الضّلال. والله سبحانه يقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) (١).
فلو لا هذا التّقويم المستمر لنجمّ عن تخلفه أن تصبح كلّ أوامر النّبي ، وأحكامه الّتي لم يقومها الوحي ـ موافقا عليها ضمنا ، ولتلقاها النّاس ، ومعهم الحجة البالغة ، على أنّها أحكام إلهية. وقس على ذلك سائر أحواله. حين يعمل ، فهي معدودة من حيث المبدأ أمثلة يقتدي بها ، وينظم المسلمون على أساسها سلوكهم ، ما لم يصدر عنه ما ينقضها.
وموجز القول : أنّ كلّ حديث صحيح لم يرد ما ينسخه ، وكان موضوعه جزءا من رسالة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، بحيث أصبح في نهاية الأمر تعبيرا عن الإرادة الإلهية ـ هذا الحديث له في نظر المسلمين نفس السّلطة الأخلاقية الّتي للنص القرآني. ولو أشتمل الحديث علاوة على ذلك ، تفصيلات ، وتحديدات ، أكثر مما أشتمل عليه
__________________
(١) التّوبة : ١١٥.