النّص القرآني ـ فإنّ هذا الحديث هو الّذي يحكم النّص القرآني (١) فهو يفسره ،
__________________
(١) «السّنة قاضية على الكتاب» ـ نصّ حديث أورده الدّارمي في السّنة ـ المقدمة : ١ / ١٥٣ ح ٥٨٧ ، تفسير القرطبي : ١ / ٣٩ ، مفتاح الجنة : ١ / ٤٤ ، الكفاية في علم الرّواية : ١ / ١٤ و ١٥. بيد أنّ أحمد بن حنبل حين سئل عن هذا الحديث قال : «لا أجرؤ أن أقول هذا ، وإنّما أقول : إنّ السّنة تفسر القرآن ، وتبينه» ، انظر ، الأعتبار للحازمي : ٣٧ طبعة الهند ، وقد ناقش الشّيخ المفيد هذا الحديث في كتابه أوائل المقالات : ٢١٩ ، والسّيد العاملي في كتابه الصّحيح من السّيرة : ١ / ٢٩٦ ، مناقشة لطيفة ودقيقة فراجع ذلك ، وراجع اصول السّرخسي : ١ / ٣٦٥ ، الكفاية في علم الرّواية للخطيب البغدادي : ٣٠ ، الموافقات للشاطبي : ٤ / ٢٦ ، تفسير القرطبي : ١ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٣٥ ، تأويل مختلف الحديث : ١٩٩ ، جامع بيان العلم : ٢ / ٢٣٤ ، ولا شك أنّه يريد بهذا أن يقول : إذا كان راوي الحديث قد أورد الفكرة الأساسية فإنّه قد استخدم تعبيرا غريبا ، أو جريئا بعض الشّيء ، بحيث يبدو أنّه يقلب التّرتيب المعتاد بين السّنة والقرآن. والواقع أنّه لو حدث أن رويت عبارة منسوبة إلى النّبي ، وكانت غير متفقة مع مبدأ مقرر في القرآن ، فإننا نرفض هذه العبارة وجوبا ، على أنّها غير صحيحة. ومن ذلك عبارة : «إنّ الميت يعذب ببكاء أهله» ـ فقد ردتها عائشة ، ذاهبة إلى أنّها رواية مشوهة محرفة ، نظرا لتعارضها مع الآية القرآنية : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام : ١٦٤) الّتي تضع مبدأ هو : أنّ أحدا لا يمكن أن يتحمل وزر غيره. والرّواية عن عمر بن الخطاب ، كما جاء في صحيح البخاريّ : ١ / ١٠١ ، صحيح مسلم : ٢ / ٦٤١ ، سنن النسائي : ٤ / ١٥ ، سنن البيهقي : ٤ / ٧٣. وفهم عمر الحديث على أنّه عام ، وأنّ التّعذيب بسبب بكاء الأهل على الميت. وحملها القوم على ظاهرها ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : «ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : وا جبلاه ، وا سيداه ، ... ونحو ذلك ، إلا وكل الله به ملكين يلهزانه ـ يضربانه ـ أهكذا كنت؟» ، ورد ذلك في سنن التّرمذي : ٣ / ٣٢٧ ح ١٠٠٣.
فقالت عائشة : يرحم الله عمر ، ما حدث رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ، ولكن قال : «إنّ الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه». انظر ، المغني لابن قدامة : ٢ / ٤١٢ ، الشّرح الكبير لابن قدامة : ٢ / ٤٣١.
ثم قالت : حسبكم القرآن : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.) الأنعام : ١٦٤. والحديث أخرجه البخاريّ : ١ / ٤٣٢ ، كتاب الجنائز باب ٣٢ ح ١٢٢٦ ، صحيح مسلم باب الجنائز وهو باب : الميت يعذب ببكاء أهله عليه : ٢ / ٦٣٨ ح ٩٢٧. ـ