بيد أنّ الأمر الجدير حقا بأن يشدّ أهتمامنا هو : أنّ أحدا لا يمكن أن يعتبر عضوا في هذه الجماعة إلّا إذا حاز من قبل صفة العالم المتخصص في المادة ، أعني : أن يحقق الشّروط المطلوبة فيمن يكون له حقّ الرّجوع مباشرة إلى المصادر ، ليستقي منها الأحكام على منهج العلماء. وبعبارة أخرى : يجب ألا يقتصر جهد جميع الأعضاء على أن يضعوا تحت أيديهم الوثائق اللازمة لحلّ هذه المشكلة أو تلك ، بل يلزمهم أيضا أن يكونوا متمرسين بنقد النّصوص الّتي تحتاج إلى إثبات ، عند ما لا يكون لديهم نقد موثق. ويلزمهم بعد ذلك أن يعرفوا اللّغة معرفة عميقة ، في أسلوبها الحقيقي ، وفي أسلوبها المجازي ، وأن يحسنوا إدراك الأفكار الأساسية ، والأفكار الثّانوية ، سواء أكانت هذه الأفكار ملفوظة أم ملحوظة ، ويلزمهم فضلا عن ذلك أن يكونوا على قدم راسخة في تأريخ التّشريع الإسلامي للمسألة ، وأن يحيطوا بأسباب النّزول ، وبالناسخ ، والمنسوخ إن وجد. وأخيرا يجب أن يتعمقوا روح الشّرع ، وغاياته الّتي يهدف إليها ، من خلال تطبيقاته على عهد النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وصحابته.
فالإجماع على هذا أبعد شيء من أن يكون تلفيقا لآراء معتسفة ، ذاتية ، طائشة ، ناتجة آليا عن التّقليد ، أو مدفوعة بروح المحاباة المغرضة. إنّه يتجلى لأعيننا على أنّه وحدة اليقين الرّاسخ ، وحقيقته ، اليقين الّذي تفرضه حقيقة الأشياء على كلّ الأنفس المستنيرة.
وإنّا لنعلم كم تفرق الظّروف الذاتية آراءنا الشّخصية ، وندرك إلى أي مدى تعمل هذه الظّروف على تفرقها ، وإختلافها غالبا. وعلى هذا ، فلو حدث في ظروف كهذه ، يبذل فيها كلّ فرد جهده العقلي ، تبعا لطريقته الخاصة في التّفكير ،