ومستقلا عن كلّ تأثير خارجي. ـ لو حدث أن انته هذا الجهد إلى نفس الحل الّذي انتهت إليه جهود الآخرين. فما ذلك إلّا لأنّ هذا الحل قد تجلى من خلال الضّمائر كلّها في وضوح وصدق لا يقبلان المناقشة.
فعصمة الإجماع ، الّتي هي موضوعنا هنا ، ليست في حقيقة الأمر منسوبة إلى المفكرين أنفسهم ، ولا إلى هذا النّص الخاص ، أو ذاك ، مما يمكن أن ترفض صحته ، أو يختلف تأويله وتفسيره ، ولكنها تكمن في ذلك الرّجوع إلى مجموع الوثائق القرآنية ، والنّبويّة الصّحيحة ، ودراستها دراسة ناضجة ، وبناء عليها يؤسس مفكرونا ما يصدرن من أحكام.
رابعا : القياس :
على حين آمنت المدّرسة الظّاهرية ، أو التّفسيرية ، بوجوب الإقتصار على المصادر الثّلاثة السّابقة : (الكتاب ، والسّنة ، والإجماع) ـ فقد مضت المذاهب الأخرى ـ إستنادا إلى ما فعله صحابة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وإلى رأي أكثر تابعيهم ـ إلى مصدر رابع وأخير ، أطلق عليه : القياس (١).
أيجب أن نعتقد أنّ نظريتهم هذه تنزع إلى أن تخلع على هذا النّوع من التّشريع صفة الإستقلال العقلي الّذي سبق أن رفضناه بالنسبة إلى القرار الإجماعي ، وبالنسبة إلى النّبي نفسه ..؟ ..
__________________
(١) لسنا بصدد دراسة الأصول حتّى نبين ما هو القياس ، بل بصدد تحقيق كتاب دستور الأخلاق ، لذا نحيل القارىء الكريم إلى بعض المصادر لكي يتعرف على حقيقة القياس ، وتعريفه ، وحجيته ، ومن يؤمن به ، ومن لا يؤمن به. انظر ، اصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر : ٢ / ١٦٤ ، اصول الفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم : ٣٠١ المبحث الخامس ، المحصول للرازي : ٢٨ ... إلخ.