لنا أن نميزه بأنفسنا ، دائما ، وحيثما وجد ؛ فشأنه شأن كلّ جوهر ، لا نراه مباشرة في حال كماله ، وإنّما نلمحه لمحا ، بفضل ذلك الجزء من النّور ، المحدود في امتداده ، وفي قوته ، والّذي نستمده من فطرتنا.
ليس هنالك إذن سوى نور واحد محض ، وغير محدود ، هو الّذي يستطيع أن يضم هذا الجوهر كاملا ، وفي ثقة تامة ؛ ولذا كان من حقّ المؤمنين أن يتخذوا من العقل الإلهي وسيلة الهداية الأخلاقية الكاملة ، وإذن ففي فكرة القيمة يكمن المنبع الحقّ للإلزام ، فهي عقل العقل ، وهي المرجع الأخير للحاسة الخلقية.
٢ ـ خصائص التّكليف الأخلاقي :
كلّ قالون (مادي ، أو إجتماعي ، أو منطقي ، أو غير ذلك) ، يحكم بالضرورة جميع الأفراد الخاضعين له ، على نسق واحد ، كما يحكم الفرد الواحد في مختلف ظروفه. وإلّا فلن يكون القانون قانونا. أعني : قاعدة عامة وثابتة.
وقانون الواجب ، وإن كان ذا طابع جدّ فردي فإنّه لا يتخلى عن هذا الطّابع المشترك : إنّه شامل ، وضروري. ويتجلى طابع الشّمول في القانون الأخلاقي ، في القرآن ، بوضوح لا ريبة معه ، لا لأنّ مجموع أوامره يتوجه في جملته إلى الإنسانية جمعاء فحسب ، وهو ما يقرره قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (١). وقوله : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٢). وقوله : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٣) ، وهو ما قد يحمل على معنى توزيعي. بل إنّ القاعدة
__________________
(١) الأعراف : ١٥٨.
(٢) الأنعام : ١٩.
(٣) الفرقان : ١.