هذا المعنى أو ذاك ، لا في تعريفه المادي البسيط ، بل بما يشمل طابعه الإلزامي ، وجميع شروط الأخلاقية. وفسر ذلك بأنّه ربما يكون من باب التّناقض أن نجد من أئتمن على وديعة ، مع تعهده بردها صراحة ، أو ضمنا ، يتملكها ، فهو حين يفعل ذلك لا تصح الوديعة وديعة (١).
ولكن ، أليس واضحا أنّ نظرية (كانت) ـ حتّى مع هذا التّقييد ـ تظل دائما غير مثبتة؟ بل نقول : إنّها غير قابلة للإثبات أيضا ، مهما تكن قوة الجدل الّتي يمكن استخدامها ؛ ذلك أنّه حين يسحب اليوم تعهد أخذ بالأمس فإنّ النّاتج عن ذلك يعد تباينا [Contraste] بين موقفين متقابلين ، ولكنه ليس مطلقا تناقضا [Contradiction] بالمعنى الصّحيح. «فهذا التّعهد يجب أن يلتزم». هذه قضية قانون ، «ولكنه لم يلتزم» ـ وتلك قضية واقع. أيّة إستحالة داخلية في هذين التّقريرين؟ .. فما دام وجها التّقابل غير صادرين من نفس المصدر ، ولا يعودان إلى نفس المراجع ، وما دام الإثبات والنّفي لا يقعان معا على نفس الشّيء ، وفي نفس الظّروف ـ فلا يمكن أن يكون هنالك أي تناقض منطقي ، دون أن نخترع مصطلحا جديدا. «فالعقل يتقاضانا أمرا». نعم ، وهو لا يفتأ يفعله ... «والشّعور يقبل أو يرفض» وا أسفا .. لكن ذلك هو قانونه.
ذلكم هو الصّراع الخالد بين المثل الأعلى والواقع ، بين شريعة الأخلاق ، وشريعة الفطرة ، وخير دليل على عدم تناقضهما أنّهما يعملان معا ؛ على حين أنّ المتناقض هو الشّيء المطرود من حظيرة الواقع بداهة.
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Bergson, les deux sources de la Morale et de la religion, p. ٦٨.