بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (١) ، أي بعيدا عن تأثير الجماهير.
ومع ذلك فلقد شهد التّأريخ الإسلامي جدالا نشب بين الأشاعرة ، والمعتزلة حول هذه المسألة : هل الله سبحانه قادر على تكليف النّاس بعمل المحال ، فضلا عن أن يكلفهم ما لا يطيقون؟ ..
والغريب أنّه على حين نجد المعتزلة ـ الذين يطلقون أساسا العنان لعقولهم ـ يدافعون هنا عن حرفية النّص ، إذا بالأشاعرة ـ الذين يرفعون غالبا لواء التّشدد في الدّين ـ (دون أن يكونوا خير ممثليه كما يجب أن نعترف) ـ يدافعون عن القضية العكسية ، مقررين أنّ من الممكن عقلا وشرعا لله سبحانه أن يكلفنا ما ليس في وسعنا ، وأن يحقق ما لا يقبل التّحقق ، حتّى لو كان محالا. وعلة هذا الأنقلاب في الموقف يسهل كشفها إذا ما وضعنا نقطة الخلاف في مكانها من مجموع كلّ مذهب.
فالمعتزلة يرون أنّ هذا الموقف مرتبط بنظام عقلي خالص ، يزعم التّوصل بنور العقل وحده إلى ذات الموجود الأسمى ، وإلى الشّرائع الأخلاقية الّتي تحكم أفعاله ، كما يتوصل أيضا إلى الشّرائع الّتي تفرض علينا.
وفضلا عن ذلك فإنّ الشّرائع الإلهية ما إن تعرف حتّى تستنبط منها مجموعة من القواعد المحددة ، الّتي لا يقدر الله سبحانه على نقضها. فالله سبحانه طيب ، وحكيم ، وعدل.
وإذن فهم يقررون أنّ ما لا يتفق في ذاته مع هذه الصّفات ، بل ما نتصوره نحن
__________________
(١) سبأ : ٤٦.