من هذا القبيل ، لا يقدر الله سبحانه على فعله ، ولا يجوز أن يفعله.
ومن هنا جاء ، فيما جاء عنهم ، القواعد الآتية : لا يجوز أن يخلق الله سبحانه شيئا دون أن يقصد إلى غرض نافع بالنسبة إلى المخلوق ، وهو ما يطلقون عليه : (رعاية الصّلاح) ، كما أنّه يجب أن يحقق من بين الخيرين الممكنين أكثرهما نفعا ، وهو عندهم : (رعاية الأصلح). وليس لله سبحانه أن يتدخل في أعمالنا الإرادية ، لا من أجل فرضها ، ولا من أجل منعها ، وفي مقابل ذلك يجب أن يزودنا بقدرة متكافئة لفعل النّقيضين ، ثمّ يتركنا نختار إختيار حرّا فيما بينهما ، فمن أطاع وجب على الله أن يثيبه ، ومن عصا الله دون أن يتوب ، وجب على الله أن يعاقبه ، دون أن يغفر له ، وإلّا أرتكب ظلما.
وسواء أكان الأمر يتعلق بطبيعة واجباتنا نحو الله ، أم نحو أنفسنا .. أم نحو الآخرين .. فإنّ هذه الواجبات تصدر بالضرورة عن طبيعة الخير والشّر. ولدينا عن هذه الطّبيعة معرفة فطرية تقريبا.
وحتّى لو أننا افترضنا أن الله سبحانه لم يكن قد أظهر إرادته في الكتب المنزلة ، ولم يوح أوامره إلى الرّسل ، فمن المؤكد أننا كنّا سنعرفها ، ثمّ نكون ملزمين بإتباعها ، وليس للكتب ولا للرّسل من مهمة سوى إثبات آرائنا العقلية وإيضاحها.
فمن أجل مقاومة هذا الأغترار الشّاطح ، وهذه الثّقة المتضخمة بالعقل الإنساني ، هبّ الأشاعرة يناهضون أفكار المعتزلة ، فكرة فكرة ، حتّى وجدنا أنّ روح المراء قد أدت بهم أحيانا إلى أن ارتكبوا تطرفا مضادا.