على الضّدين إلّا تباعا ، فإذا ما شغلت بأحدهما بقي الآخر محالا ، ما دام الأوّل في طريق التّحقق. فالذي يخالف الأمر ، ويستخدم نشاطه في مناقضته هو حينئذ غير قادر على الطّاعة ، في حين يمارس المعصية ، وهو مع ذلك ، مكلف في اللحظة ذاتها بأن يؤدي واجبه ، وبهذا يكون عدد الحالات الإستثنائية الشّاذة ـ أعني : الّتي يكون موضوع التّكليف فيها أمرا لا يقبل التّحقق ـ مساويا على الأقل لعدد الحالات السّوية.
ولكن من ذا الّذي لا يرى في هذا الكلام سفسطة خالصة؟ ..
الواقع أنّ أحدا لا يمكن أن يفكر في تفسير الأمر الموجه إلى عاص ، بإعتباره تكليفا له بأن يطيع ، في الوقت الّذي يعصي. فقد وضح إذن أنّ الهدف هو إلزامه بأن يكف عن المقاومة ، وأن يتيح لنشاطه بديلا أخلاقيا.
فإذا ما أصروا على أن يخلعوا صفة (المحال) على عمل كهذا فلن تكون هذه سوى مشكلة زائفة ، وإذا لم يكن الخصمان قد أتفقا على تحديد المراد من الكلمة ، فإنّهما متفقان بهذا على الوقائع ذاتها ، وعلى المبدأ الّذي ندافع عنه إتفاقا كاملا (١).
ب ـ اليسر العملي :
ها نحن أولاء قد أقصينا من مجال التّكليف كلّ ما لا يمكن أن يخضع خضوعا مباشرا ، أو غير مباشر ، لقدرتنا. ومع ذلك ، فهذا الإقصاء لا يمكن أن يكون وقفا على الأخلاق الإسلامية ، بل يجب أن نعتبره السّمة المشتركة بين جميع المذاهب
__________________
(١) انظر ، تفسير الميزان للسيد الطّباطبائي : ٦ / ٣٥٢ و ٣٥٥ و : ١٠ / ٣٦٩ ، لتجد بحثا مفصلا عن الحرية.