الأعمال التّعبدية ، كقيام اللّيل في الصّلاة ، وإنّما هو ينصحنا بعدم إلتّزام هذا الغلوّ ، ويفصح عن بعض مساوئه.
فمن المعلوم أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم كان في بداية رسالته مأمورا أن يقوم شطرا كبيرا من اللّيل في الصّلاة ، وترتيل القرآن ، وهو قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (١) ، وقد سار على هدي النّبي صلىاللهعليهوسلم بعض صحابته ، حيث اعتادوا أن يفعلوا ما يفعل. وها نحن أولاء نقرأ في نهاية السّورة ذاتها درسا موجها إلى هذه الطّائفة من القائمين بالليل ، يلفت أنظارهم إلى أنّهم لن يستطيعوا أن يداوموا على هذه الشّعيرة في ظروف معينة ، كالمرض ، والسّفر ، والجهاد. ثمّ يأمرهم أن يكون قيامهم بالليل بقدر ما تسمح أحوالهم : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (٢).
وقد ظهرت هذه الرّوح ـ الّتي ترى الإفراط في التّحنث ـ لدى بعض الصّحابة في المدينة ـ فلم تواجه بأقل مما سبق ، بإعتبارها إنحرافا مناقضا لروح الشّريعة. وينتج من مجموع النّصوص القرآنية والنّبويّة المتعلقة بهذا الموضوع أنّ الإسلام يعلق أهمية كبيرة على بعض الأوامر الّتي لا ينبغي أن يغفل عنها امرؤ تقي ، وربما كان إغفالها هو النّتيجة الطّبيعية لهذا الإفراط.
فقد رأينا أنّ الإنسان ليس عليه فقط أن يتحفظ من إطالة عبادة ، ربما تعوقه في أداء الواجبات الأخرى (كالتجارة ، والجهاد) ، ولكن العمل العبادي نفسه لا ينبغي أن يتحول إلى نوع من الآلية ، الّتي لا يحس المرء معها إحساسا واضحا بما
__________________
(١) المزمل : ٢ ـ ٤.
(٢) المزمل : ٢٠.