ولنتناول الآن جانبا ثانيا :
وتعنينا هنا قضية واجب ثابت في الظّروف العادية ، أو في ظروف خاصة مناسبة. ولكن ها هي ذي الظّروف تتغير ، فتجعلنا في موقف يصبح فيه أداء الواجب بمعناه الكامل الّذي حدد إبتداء ـ عسرا حقيقيا ـ فهل يجب علينا ، برغم كلّ شيء أن نؤديه كما هو؟ .. وهل يمكن أن تنام عين الله عما نلاقي من مشقة ، فلا تهتم بالموقف الجديد؟.
كلا ... بلا ريب ، ففي هذا الظّروف بالذات يظهر بكلّ وضوح الطّابع الرّحيم للشريعة القرآنية ، فإنّ الحلّ سوف يتمثل ـ في الواقع ـ في تعديل للواجب تبعا لظروف الحياة الجديدة ، أي أنّ العمل سوف يتعرض لنوع من التّصرف ، أقل أو أكثر عمقا ، وسوف يكون ذلك بحسب مقتضيات الظّرف ، سواء أكان تغييرا ، أم تخفيفا ، أم تأجيلا ، أم حتّى إلغاء.
وهذه الإعتبارات ذاتها سوف تنطبق على العمل سواء أكان تغير الموقف نهائيا ، وإلى الأبد ، أم كان نسبيا يخص هذه الحالة ، أو تلك ، هذه الطّائفة من النّاس أو من الأشياء.
ولنأخذ على ذلك مثلا خفف فيه الواجب بصورة نهائية. ونتساءل : ما النّسبه العددية الّتي يجب بمقتضاها على أي شعب مسلم محتل أن يواجه عدوه بمقاومة مسلحة؟. النّسبة واحد إلى عشرة ، بموجب قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) ، وذلك
__________________
(١) الأنفال : ٦٥.