هو الحل الأوّل الّذي قدمه القرآن إلى الجيش الإسلامي الأوّل ، حين لم يكن به سوى بضع عشرات من الرّجال.
لكن الغريب أنّ هذا الشّعب ، حين يصبح مع الزّمن أكثر عزّ نفرا ، وبحيث لن يعود أبدا إلى الموقف الأوّل ، هذا الشّعب الفتيّ الممتلىء حماسا ، يبدو أنّه لم تعد لديه نفس الصّفات المتدفقة الّتي كانت لديه من قبل ، وهو أمر يمكن تفسيره بأنّه نوع من الإسترخاء الطّبيعي ، النّاشيء عن كثرة الجماهير الّتي تتساعد فيما بينها ، نوالّتي يبدو حضورها وكأنّما يعفي كلّ فرد من جزء من جهده. فكيف يمكن في مثل هذه الظّروف النّفسية أن نكلف الأمّة بأن تقف الموقف البطولي الّذي سجله الأولون؟.
على أنّ لدى المجاهد المسلم تفوقا روحيا بفضل الإيمان الّذي يحركه ، وهو أمر سوف يمنحه دائما ميزة على خصمه ، وما كان له أن ينزل بمستواه حتّى يكون عدله ، ومن هنا يأتي الحلّ الثّاني والأخير الّذي تصبح النّسبة بموجبه : واحدا ضد إثنين ، وهو قوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) (١).
في هذا المثال نجد التّشريع لا يتدخل لحلّ الحالة الصّعبة إلا في أعقابها. على أنّه في أغلب الأحيان يتدخل في نفس الوقت ، فقد نجد أنفسنا في حالة عادية ، يملك التّشريع فيها ناصية الموقف ، ومع ذلك تلمح القاعدة حالة إستثنائية فتجد لها مخرجا.
__________________
(١) الأنفال : ٦٦.